هذا ومن باب الإشارة في الآيات الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قد تقدم أن مقام العبودية لا يشابهه مقام ولا يدانيه ونبينا في أعلى مراقيه وقد ذكر أن العبد الحقيقي من كان حرا عن الكونين وليس ذاك إلا سيدهما ولم يجعل له عوجا قيما قى تقدم في التفسير أن الضمير المجرور عائد على الكتاب وجعله بعض أهل التأويل عائدا على عبده أي لم يجعل له E انحرافا عن جنابه وميلا إلى ما سواه وجعله مستقيما في عبوديته سبحانه وجعل الأمر في قوله تعالى فاستقم كما أمرت أمر تكوين لينذر بأسا شديدا من لدنه وهو بأس الحجاب والبعد عن الجناب وذلك أشد العذاب كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات وهي الأعمال التي أريد بها وجه الله تعالى لا غير وقيل العمل الصالح التبري من الوجود بوجود الحق أن لهم أجرا حسنا وهي رؤية المولى ومشاهدة الحق بلا حجاب فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا فيه إشارة إلى مزيد شفقته واهتمامه وحرصه على موافقة المخالفين وانتظامهم في سلك الموافقين إنا جعلنا ما على الأرض من الأنهار الأشجار والمعادن والحيوانات زينة لها أي لأهلها لنبلوهم أيهم أحسن عملا فيجعل ذلك مرآة لمشاهدة أنوار جلاله وجماله سبحانه D وقال ابن عطاء : حسن العمل الاعتراض عن الكل وقال الجنيد : حسن العمل اتخاذ ذلك وعدم الاشتغال به .
وقال بعضهم : أهل المعرفة بالله تعالى والمحبة له هم زينة الأرض وحسن العمل النظر إليهم بالحرمة .
وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا كناية عن ظهور فناء ذلك بظهور الوجود الحقاني والقيامة الكبرى أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا قال الجنيد قدس الله سره : أي لا تتعجب منهم فشأنك أعجب من شأنهم حيث أسري بك ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وبلغ بك سدرة المنتهى وكنت في القرب كقاب قوسين أو أدنى ثم ردك قبل انقضاء الليل إلى مضجعك .
إذ أوى الفتية إلى الكهف قيل هم فتيان المعرفة الذين جبلوا على سجية الفتوى وفتوتهم إعرتضهم عن غير الله تعالى فأووا إلى الكهف الخلوة به سبحانه فقالوا حين استقاموا في منازل الإنس ومشاهد القدس وهيجهم ما ذاقوا إلى طلب الزيادة والترقي في مراقي السعادة ربنا آتنا من لدنك رحمة معرفة كاملة وتوحيدا عزيزا وهيء لنا من أمرنا رشدا بالوصول إليك والفناء فيك فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا كناية عن جعلهم مستغرقين فيه سبحانه فانين به تعالى عما سواه ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا إشارة إلى ردهم إلى الصحو بعد السكر والبقاء بعد الفناء ويقال أيضا : هو إشارة إلى الجلوة بعد الخلوة وهما قولان متقاربان نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم الإيمان العلمي وزدناهم هدى بأن أحضرناهم وكاشفناهم وربطنا على قلوبهم سكناها عن التزلزل بما أسكنا فيها من اليقين فلم يسمح فيها هواجس التخمين ولا وساوس الشياطين ويقال أيضا : رفعناها من حضيض التلوين إلى أوج التمكين .
إذ قاموا بنا لنا فقالوا ربنا رب السموات والأرض مالك أمرهما ومدبرهما فلا قيام لهما إلا بوجوده المفاض من بحار جوده لن ندعو من دونه إلها إذ ما من شيء إلا وهو محتاج إليه سبحانه فلا يصح لأن يدعي لقد قلنا إذا شططا كلاما بعيدا عن الحق مفرطا في الظلم واستدل بعض المشايخ بهذه الآية على أنه ينبغي للسالكين إذا أرادوا الذكر وتلحقوا له أن يقوموا فيذكروا قائمين قال ابن الغرس : وهو استدلال