وله تعالى : إنا كل شيء خلقناه بقدر لذلك وينحل مراده من ذلك بالرجوع إلى ما نقلناه عنه سابقا والتأمل فيه فتأمل فإنه دقيق .
هذا ولم نجد في السائل هنا خلافا كما في السائل فيما تقدم والذي رأيناه في كثير مما وقفنا عليه من التفاسير أن السائل الوفد الذي كان سائلا أولا في بعض الأقوال المحكية هناك وذكر أنه السائل في الموضعين كثير منهم ابن أبي حاتم فقد أخرج عن السدي قال اجتمعت قريش فقالوا : إن محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم رجل حلو اللسان إذا كلمه الرجل ذهب بعقله فانظروا أناسا من أشرافكم المعدودين المعروفة أنسابهم فابعثوهم في كل طريق من طريق مكة على رأس ليلة أو ليلتين فمن جاء يريده فردوه عنه فخرج ناس منهم في كل طريق فكان إذا أقبل الرجل وافدا لقومه ينظر ما يقول محمد صلى الله تعالى عليه وسلم فينزل بهم قالوا له : يا فلان ابن فلان فيعرفه بنسبه ويقول : أنا أخبرك عن محمد صلى الله تعالى عليه وسلم هو رجل كذاب لم يتبعه على أمره إلا السفهاء والعبيد ومن لا خير فيه وأما شيوخ قومه وخيارهم فمفارقون له فيرجع أحدهم فذلك قوله تعالى : وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين فإذا كان الوافد ممن عز الله تعالى له على الرشاد فقالوا مثل ذلك قال : بئس الوافد أنا لقومي إن كنت جئت حتى إذا بلغت مسيرة يوم رجعت قبل أن ألقى هذا الرجل وأنظر ما يقول وآتي قومي ببيان أمره فيدخل مكة فيلقى المؤمنين فيسألهم ماذا يقول محمد صلى الله تعالى عليه وسلم فيقولون : خيرا الخ نعم يجوز عقلا أن يكون السائل بعضهم لبعض ليقوى ما عنده بجوابه أو لنحو ذلك كالإستلذاذ بسماع الجواب وكثيرا ما يسأل المحب عما يعلمه من أحوال محبوبه استلذاذا بمدامة ذكره وتشنيفا لسمعه بسنى دره ألا فاسقني خمرا وقل لي هي الخمر ولا تسقني سرا إذا أمكن الجهر بل يجوز أيضا أن يكون السائل من الكفرة المعاندين وغرضه بذلك التلاعب والتهكم للذين أحسنوا أتوا بالأعمال الحسنة الصالحة في هذه الدار الدنيا حسنة مثوبة حسنة جزاء إحسانهم والجار والمجرور متعلق بما بعده على معنى أن تلك الحسنة لهم في الدنيا والمراد بها على ما روي عن الضحاك النصر والفتح وقيل : المدح والثناء منه تعالى وقال الإمام : يحتمل أن يكون فتح باب المكاشفات والمشاهدات والألطاف كقوله تعالى : والذين اهتدوا زادهم هدى وقيل : متعلق بما قبله وحينئذ يحتمل أن يكون الكلام على تقدير مثله متعلقا بما بعد أولا بل تكون هذه الحسنة الواقعة مثوبة لإحسانهم في الدنيا في الآخرة واقتصر بعضهم على هذا الإحتمال والمراد بالحسنة حينئذ إما الثواب العظيم الذي أعده الله تعالى يوم القيامة للمحسنين وإما التضعيف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما لا يعلمه غيره جل وعلا واختبر كونه متعلقا بما بعد لأنه الأوفق بقوله سبحانه : ولدار الآخرة خير والكلام كما يشعر به كلام غير واحد حذف مضاف أي ولثواب دار الآخرة أي ثوابهم فيها خير مما أوتوا في الدنيا من الثواب .
وجوز أن يكون المعنى خير على الإطلاق فيجوز إسناد الخيرية إلى نفس دار الآخرة ولنعم دار المتقين .
30 .
- أي دار الآخرة حذف لدلالة ما سبق عليه كما قاله ابن عطية والزجاج وابن الأنباري وغيرهم وهذا كلام مبتدأ عدة منه تعالى للذين اتقوا على قولهم وهو في الوعد ههنا نظير ليحملوا أوزارهم في الوعيد فيما مر وجوز أن يكون خيرا