غفلته وليس في مفهوم الليل هذا المعنى ولم يشتهر شهرة التهار بالإشتغال بالمصالح والمعاش حتى يحسن الإكتفاء بدلالة الإلتزام كما في النهار وقد يقال : النهار كله محل الغفلة لأنه إما زمان إشتغال بمعاش أو زمان قيلولة بخلاف الليل فإن محل الغفلة فيه ماقارب وسطه وهو وقت البيات فلذا خص بالذكر والبيات جاء بمعنى البيتوتة وبمعنى التبييت كالسلام بمعنى التسليم والمعنى المراد هنا مبني على هذا ماذا يستعجل منه المجرمون 50 أي أي شيء يستعجلون من العذاب وليس شيء منه يوجب الإستعجال لما أن كله مكروه مر المذاق موجب للنفار فمن للتبعيض والضمير للعذاب والتنكير في شيء الفردية وجوز أن يكون المعنى على التعجب وهو مستفاد من المقام كأنه قيل : أي هولشديد بستعجلون منه فمن بيانية وتجريدية بناء على عد الزمخشري لها منها وقيل : الضمير لله تعالى وعليه فالمعنى على الثاني ولكنتزول فائدة الإبهام والتفسير وما فيه من التفخيم .
وما قيل : إنه أبلغ على معنى هل تعرفون ما العذاب المعذب به هو اللهسبحانه 1 فهو مشترك على التقديرين ألا ترى إلى قوله تعالى : عذابه و ماذا بمعنى أي شيء منصوب المحل مفعولا مقدما وهو أولى من جعله مبتدأ ومن فعل قدر العائد ومن قال : إن ضمير منه هو الرابط مع تفسيره بالعذاب جنح إلى أن المستعجل من العذاب فهو شامل للمبتدأ فيقوم مقام رابطه لأن عموم الخبر في لإسم الظاهر يكون رابطا على المشهور ففي الضمير أولى وزعم أبو البقاء أن الضمير عائد إلى المبتدأ وهو الرابط وجعل ذلك نظير قولك : زيد أخذت منه درهما وليس بشيء كما لا يخفى والمراد من المجرمون المخاسبون وعدل عن الضمير إليه الدلالة على أنهم لجرمهم ينبغي أن يفزعوا من إتيان العذاب فضلا عن أن يستعجلوه وقيل : النكتة في ذلك إظهاره تحقيرهم وذمهم بهذهالصفة الفظيعة والجملة متعلقة بأرأيتم على أنها إستئناف بياني أو في محل نصب على المفعولية وعلق عنها الفعل للإستفهام وهو في الأصل إستفهام عن الرؤية البصرية أو العلمية ثم إستعمل بمعنى أخبروني لما بين الرؤية والأخبار من السببية والمسببية في الجملة فهو مجاز فيما ذكر وإليه ذهب الكثير وذهب أبو حيان إلى أن ذلك بطريق التضمين ولم يستعمل إلا في الأمر العجيب وجواب الشرط محذوف أي إن أتاكم عذابه في أحد ذينك الوقتين تندموا أو تعرفوا الخطأ أوفاخبروني ماذا يستعجل مهنه المجرمون .
وزعم أبو حيان تعين الأخير لأن الجواب إنما يقدر مما تقدمه لفظا أو تقديرا ولم يدر أن تقديره من غير جنس المذكور إذا قامت قرينة عليهليس بعزيز ولئن سلم صحة الحصر الذي إدعاه فما ذكر غير خارج عنه بناء على أن المقصود من أرأيتم ماذا يستعجل منه إلخ تنديمهم أوتجليلهم كما نص عليه بعض المحققين .
وفي الكشف تقريرا لأحد الأوجه المذكورة في الكشاف أن ماذا إلخ متعلق الإستخبار والشرط مع جوابه المحذوف مقرر لمضمون الإستخبار ولهذا وسط بينهما ولما كان في الإستفهام تجهيل وتنديم قدر الجواب تندموا أوتعرفوا الخطأ ولا مانع من تقديرهما معا أو ما يفيد المعنيين ولهذا حذف الجواب ووسط تأكيدا على تأكيد إنتهى .
وجوز كون ماذا يستعجل جوابا للشرط كقولك : إن أتيتك ماذا تطعمني والمجموع بتمامه متعلق بأرأيتم ورد بأن جواب الشرط إذا كان إستفهاما فلا بد فيه من الفاءتقول إن زارنا فلان فأي رجل هو ولا تحذف إلا ضرورة وقد صرح في المفصل بأن الجملة إذا كانت إنشائية لابد من الفاء معها والإستفهام وإن لم يرد به حقيقته لم يخرج عن الإنشائية والمثال مصنوع فلا يعول عليه