رجائهم أكثر وفيه تأمل ريح عاصف أي ذات عصف فهو من باب النسب كلإبن وتامر ويستوي فيه المذكر والمؤنث كما صرحوا به فلذا لم يقل عاصفة مع أن الريح مؤنثة لا تذكر بدون تأويل .
وقيل : لم يقل عاصفة لأن العصوف مختص بالريح فهو كحائض فلا حاجة إلى الفارق أو أنه إعتبر التذكير في الريح كما إعتبر فيها التأنيث والأولى ما قدمناه وأصل العصف الكسر والنبات المتكسر والمراد شديدةالهبوب وجاءهم الموج وهو ما علا وإرتفع من إضطراب الماء وقيل : هو إضطراب البحر والأول هو المشهور من كل مكان أي من أمكنة مجيءالموج عادة وقد يتفق مجيئه من جهات حسب أسباب تتفق لذلك وظنوا أنهم أحيط بهم أي أهلكوا كما رواه ابن المنذر عن ابن جريج ففي الكلام إستعارة تبعية وقيل : إن الإحاطة إستعارة لسد مسالك الخلاص تشبيهاله بإحاطة العدو بإنسان ثم كني بتلك الإستعارة عن الهلاك لكونها منروادفها ولوازمها .
وقيل : إن ذلك مثل في الهلاك والظن على ما يتبادر منه وجوز أنيكون بمعنى اليقين بناء على تحقق وقوعه في إعتقادهم أو كون الكنايةعن القرب من الهلاك دعوا الله جعله غير واحد بدل إشتمال من ظنوالأن دعاءهم من لوازم ظنهم الهلاك فبينهما ملابسة تصحح البدلية وقيل : هو جواب ما إشتمل عليه المعنى من معنى الشرط أي لما ظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله إلخ .
وجعله أبو حيان إستئنافا بيانيا كأنه قيل : فماذا كان حالهم إذ ذاك فقيل : دعوا إلخ ورجح القول بالبدل عليه بأنه أدخل في إتصالالكلام والدلالة عن كونه المقصود مع إفادته ما يستفاد من الإستئناف مع الإستغناء عن تقدير السؤال وأنت تعلم أن تقدير السؤال ليس تقديراحقيقيا بل أمر إعتباري وفيه من الإيجاز ما فيه وليس بأبعد مما تكلف للبدلية ويشعر كلام بعضهم جواز كونه جواب الشرط و جاءتها في موضعالحال كقوله تعالى : فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله الآية وتعقب بأن الإحتياج إلى الجواب يقتضي صرف ما يصلح له إليه لا إلى الحال الفضلة المفتقرة إلى تقدير قد مع أن عطف وظنوا على جاءتها يأبىالحالية والفرح بالريح الطيبة لا يكون حال مجيء العاصفة والمعنى علىتحقق المجيء لا على تقديره ليجعل حالا مقدرة ولا يخلو عن حسن والظاهرأن ما عده مانعا من الحالية غير مشترك بينه وبين كونه جواب إذا لأنه يقتضي أنهما في زمان واحد كما لا يخفى على من له أدنى معرفة بأساليب الكلام وقوله سبحانه : مخلصين له الدين حال من ضمير دعوا وله متعلق بمخلصين و الدين مفعوله أي دعوه تعالى من غير إشراك لرجوعهم من شدة الخوف إلى الفطرة التي جبل عليها كل أحد من التوحيدوأنه لا متصرف إلا الله سبحانه المركوز في طبائع العالم وروي ذلك عنابن عباس ومن حديث أخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما عن سعد بن أبي وقاص قال : لما كان يوم الفتح فر عكرمة بن أبي جهل فركب البحر فأصابتهم عاصف فقال أصحاب السفينة لأهل السفينة : أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا فقال عكرمة : لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص ما ينجني في البر غيره اللهم أن لك عهدا إن أنت عافيتني مما أنا فيهأن آتي محمدا حتى أضع يدي