كفرهم بالله تعالى والأحبار علماء اليهود واختلف في واحده فقال الأصمعي : لا أدري أهو حبر أو حبر وقال أبو الهيثم : هو بالفتح لا غير وذكر ابن الأثير أنه بالفتح والكسر وعليه أكثر أهل اللغة والصحيح إطلاقه على العالم ذميا كان أو مسلما فقد كان يقال لابن عباس رضي الله تعالى عنهما الحبر ويجمع كما في القاموس على حبور أيضا وكأنه مأخوذ من تحبير المعاني بحسن البيان عنها ورهبانهم وهم علماء النصارى من أصحاب الصوامع وهو جمع راهب وقد يقع على الواحد ويجمع على رهابين ورهابنة وفي مجمع البيان أن الراهب هو الخاشي الذي تظهر عليه الخشية وكثر إطلاقه على متنسكي النصارى وهو مأخوذ من الرهبة أي الخوف وكانوا لذلك يتخلون من أشغال الدنيا وترك ملاذها والزهد فيها والعزلة عن أهلها وتعمد مشاقها حتى أن منهم من كان يخصي نفسه ويضع السلسلة في عنقه وغير ذلك من أنواع التعذيب ومن هنا قال صلى الله تعالى عليه وسلم : لا رهبانية في الإسلام والمراد في الآية اتخذ كل من الفريقين علماءهم لا الكل الكل أربابا من دون الله بأن أطاعوهم في تحريم ما أحل الله تعالى وتحليل ما حرمه سبحانه وهو التفسير المأثور عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقد روى الثعلبي وغيره عن عدي بن حاتم قال : أتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب فقال : يا عدي اطرح عنك هذا الوثن وسمعته يقرأ في سورة براءة اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله فقلت له : يا رسول الله لم يكونوا يعبدونهم فقال E : أليس يحرمون ما أحل الله تعالى فيحرمونه ويحلون ما حرم الله فيستحلون فقلت بلى قال : ذلك عبادتهم وسئل حذيفة رضي الله تعالى عنه عن الآية فأجاب بمثل ما ذكر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ونظير ذلك قولهم : فلان يعبد فلانا إذا أفرط في طاعته فهو استعارة بتشبيه الإطاعة بالعبادة أو مجاز مرسل باطلاق العبادة وهي طاعة مخصوصة على مطلقها والأول أبلغ وقيل : اتخاذهم أربابا بالسجود لهم ونحوه مما لا يصلح إلا للرب D وحينئذ فلا مجاز إلا أنه لا مقال لأحد بعد صحة الخبر عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم والآية ناعية على كثير من الفرق الضالة الذين تركوا كتاب الله تعالى وسنة نبيه E لكلام علماءهم ورؤسائهم والحق أحق بالإتباع فمتى ظهر وجب على المسلم اتباعه وان أخطأه اجتهاد مقلده والمسيح ابن مريم عطف على رهبانهم بأن اتخذوه ربا معبودا أو بأن جعلوه ابنا لله كما يقتضيه سياق الآية على ما قيل وفيه نظر وتخصيص الإتخاذ به عليه السلام يشير إلى أن اليهود ما فعلوا ذلك بعزيز وتأخيره في الذكر مع أن اتخاذهم له كذلك أقوى من مجرد الإطاعة في أمر التحليل والتحريم لأنه مختص بالنصارى ونسبته عليه السلام إلى أمه للإيذان بكمال ركاكة رأيهم والقضاء عليهم بنهاية الجهل والحماقة .
وما أمروا أي والحال أن أولئك الكفرة ما أمروا في الكتب الإلهية على ألسنة الأنبياء عليهم السلام إلا ليعبدوا إلها واحدا جليل الشأن وهو الله سبحانه ويطيعوا أمره ولا يطيعوا أمر غيره بخلافه فإن ذلك مناف لعبادته جل شأنه وأما إطاعة الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وسائر من أمر الله بطاعته فهي في الحقيقة إطاعة الله D أو وما أمر الذين اتخذهم الكفرة أربابا من المسيح عليه السلام والأحبار والرهبان إلا ليطيعوا