مشكلات العالم الإسلامي ودور الوحدة في التغلب عليها
عبد الغني شمس الدين
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد تناول كثير من الباحثين والعلماء المسلمين المعاصرين مشكلات العالم الإسلامي بالبحث والشرح بأساليبهم الخاصة، منهم ـ مثلاً ـ الشيخ يوسف القرضاوي والشيخ حسن حبنكة الميداني والشيخ فتحي يكن والشيخ محمّد الغزالي والدكتور عبد العظيم إبراهيم وغيرهم وهناك أيضاً بحوث ودراسات تقدم في الندوات العلمية والمؤتمرات الدولية تتناول بالتمحيص مشكلات وعوامل ضعف الأمة في الماضي والحاضر.
ولم أشأ هنا أن أعيد ما قالوه كله لأن ذلك أمر لا يسمح به المقام فضلاً عن مقدرتي المتواضعة كلّ ما أرجوه هو أن أوفق في تبيان بعض هذه المشكلات المستعصية بشكل عام، ثم بين كيفية التغلب عليها ودور الوحدة الفكرية والسياسية والاقتصادية ونحوها في تحجيم هذه المشاكل، وساتئصالها من جذورها حسب تصوري الخاص مستعينا بالاطروحات والدراسات الجادة التي قام بها العلماء.
(598)
مشكلة العقيدة أو التشوه العقائدي وعدم اكتمال العنصر الإيماني لدى الفرد المسلم :
إذا امعنا النظر في جميع بقاع العالم الإسلامي سنجد كثيراً من الخز عبلات والتصورات الفاسدة والمعتقدات قد لا تمت للدين بأية صلة تنتشر في عقول العوام وبعض البسطاء من أفراد هذه الأمة هناك البهائية وهناك القاديانية وهناك حركة أنصار منكري السنة النبوية ونحوها ومن المعلوم أن الضلالات والبدع يكون انتشارها اكثر بين الأوساط الشعبية وهم السواد الأعظم دائماً للأمة، ومن هنا يأتي خطرها الكبير الذي يتمثل في اسدال الستار على العقل الإسلامي وإيجاد ظلمات بعضها فوق بعض في موكب الحياة العامة وإضاعة الفكر في متاهات غريبة لدى جماهير عريضة من أبناء الأمة وهو ما يحول الأمة المسلمة إلى أمة مقعدة في عالم يجري كالريح المرسلة ولقد كان من المفروض أن تضمحل هذه الضلالات بفضل التقدم العلمي وكثرة الدارسين والعلماء، إلاّ أن الواقع يثبت عكس ذلك، بل زادت وانتشرت الضلالات والامية الدينية لدى المثقفين العلمانيين وبخاصة فيما يتعلق بأساسيات الدين وما هو معلوم من الدين بالضرورة.
ولعل الضلالات الفكرية التي مني بها المثقفون الجدد أخطر من ضلالات العوام الّذين يروجون المنكرات والتدجيل لأخذ أموال الناس ويتخذون القرآن للتبرك فقط، غافلين عن دوره في الهداية والإرشاد لصراط مستقيم إنّ الأمية الدينية أخطر بكثير من تلك الخزعبلات القديمة. والأمية الدينية تعني عدم معرفة الدين والعلم به وأن أحرز المرء أعلى المراتب في الدرجات العلمية وكمثال كتب أحد المستشارين في أعلى سلطة دستورية بإحدى الدول العربية المسلمة مقالا كشف فيه عما يغشي عقله من غفلة وغباء وخبط فيه خبط عشواء، وتطاول على الشريعة الإسلاميّة بعنق السفه، ذكر هذا الكاتب: أن
(599)
قياس تحريم المخدرات على الخمر قياس فاسد لأن الخمر في القرآن الكريم مأمور باجتنابها، وليست محرمة فالمحرم على سبيل القطع من الاطمعة و الاشربة ورد في الآية الكريمة.
﴿قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلاّ أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسق أهل لغير الله به ﴾([1]).
والاجتناب في رأي بعض الفقهاء أشد من التحريم ولكنه في الحقيقة أمر يتصل بالمخاطب.
فهذا المستشار يقول: «أن الخمر في القرآن مأمور باجتنابها وليست محرمة وانكار حرمة الخمر إنكار لأمر معلوم من الدين بالضرورة، لا يعذر مسلم بجهله».
2 ـ مشكلة الأفكار:
لا يخفى على أحد أن فساد الفكر يقترن دائماً بفساد العقيدة ؛ كليا أو جزئيا اذان الفكر أساس العمل. ويتحدث القرآن الكريم عن هذه الظاهرة في كثير من آياته كسبب من الأسباب التي تؤدي إلى سقوط الأمة وخراب عمرانها وحضارتها كما أن السنة النبوية أيضاً تبين هذه الحالة ؛ أي حالة سقوط الحضارات ؛ حيث ينغلق الفكر ويختلط الحق بالباطل، وينتشر الكفر الفعلي والانحراف العاطفي ويسود الهوى وتروج النظريات الفاسدة ويتحزب الناس احزابا ويتحولون إلى ادعياء دجالين ومن الأحاديث التي تفيد ذلك، ما رواه أبو هريرة أن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ قال: «والذي نفسي بيده ليأتين على الناس زمان لا يدري القاتل في أي شيء قتل ولا يدري المقتول علي أي شيء قتل»([2]). وفي حديث آخر أن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ قال: «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض » والكفر هنا كفر فكري أي ضلال وانحراف صاحبه مع انه مسلم أوانه على الحق مع
(600)
انه يرتكب الكبائر وينتهك اساسيات الإسلام. وفي حديث آخر قال حذيفة سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يقول: «تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا. فأي قلب اشربها نكت فيه نكتة سوداء وأي قلب انكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتّى يصير على قلبين: على ابيض مثل الصفاء فلا تضره فتنة مادامت السماوات والأرض، والآخر اسود... لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلاّ ما أشرب من هواه»([3]).
والانحراف في هذا الصدد يسميه بعضهم بمرحلة التيه الفكري وفيها تظهر طبقة من المثقفين المضلين المتشدقين الّذين يخدعون الناس بنوع من الكلمات المبهمة ويقودونهم بهذه الكلمات الرمزية والشعارات المدوية إلى الهاوية ؛ فعن أبي سعيد الخدري وأنس بن مالك ـرضي الله عنهما ـ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ قال: «سيكون في امتي اختلاف وفرقة قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل، يقرؤون القرآن الكريم لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية... لا يرجعون حتّى يرتد على فوقه، هم شر الخلق والخليقة، طوبى لمن قتلهم وقتلوه. يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء، من قاتلهم كان أولى بالله منهم قالوا يا رسول الله ما سيماهم ؟ قال: التحليق([4]).
وفي الواقع أن التمزق الفكري الداخلي للأفراد وللأمم هو أول داء تصاب به الأمة وعن طريق هذا الخلل الفكري تدخل صنوف الخلل السلوكية نتيجة حتمية لخلل الفكر. والواقع خير شاهد على هذه المشكلة المستعصية.
3 ـ الأنظمة العلمانية المتسلطة:
أن قوى الامبريالية لا تخرج من الدول الإسلاميّة ببساطة، دبرت وخططت خرائط الحكم ونصبت الطغمة الحاكمة المتسلطة من ذوي اتجاه علماني للتحكم بمصير
(601)
الأمة طبقا لإرشاداتها وتوجياتها، وهذه الأنظمة تنفذ برامج التعليم العلماني وتخرج جيلا من الشيان المارقين من الدين وابرز بلد إسلامي حكمته العلمانية ونفذت فيه خططها وضربت بيد من حديد كلّ من يقاومها وخاضت في ذلك بحرا من الدم هو تركيا بلد الخلافة الإسلاميّة الأخيرة الذي قهره اتاتورك على تطبيق النموذج الغربي في الحياة كلها، في السياسة والاقتصاد والاجتماع والتعليم والثقافة، وسلخه من تراثه وقيمه وتقاليده كما تسلخ الشاة من جلدها واقام دستوراً لا دينياً يعزل الدين عن الحياة عزلاً كاملاً، قامت على أساسه قوانين مجافية للإسلام كلّ المجافاة حتّى في شؤون الأسرة والأحوال الشخصية. والأمر ليس فقط في تركيا بل انتشرت العلمانية الحاكمة في الجزائر وتونس ومصر وكثير من دول المسلمين شرقا وغربا وتاريخ اضطهاد الساسة العلمانيين للدعاة والحركات الإسلاميّة مليء بمعاملات غير انسانية، منافية للدين والأخلاق ؛ فضلاً عن تعارضها مع ابسط الحقوق الإنسانية. ولقد حاول هؤلاء الحكام أن يرضوا قوى الاستكبار العالمي من اجل حفنة من الدولارات التي حصلوا عليها فاضطهدوا الصحوة الإسلاميّة ورموزها واصبحوا حكاماً متسلطين مستبدين.
«وقد أخذت الحكومات في البلاد الإسلاميّة الأخرى تقلد تركيا الجديدة على درجات متفاوتة فأقصي الإسلام عن الحكم والتشريع في الأمور الجنائية ونحوها وبقي محصورا فيما سمي بالأحوال الشخصية كما أقصي الإسلام عن التوجيه والتأثير في الحياة الثقافية والتربوية والاجتماعية إلاّ في حدود ضئيلة وفسحوا المجال كلّ المجال للتوجيه الغربي والثقافة الغربية والتقاليد الغربية».
4 ـ مشكلة القيادة أو الإمامة:
الإمامة أو القيادة قضية محورية وجوهرية في معالجة مشاكل المسلمين في كلّ
(602)
أقطار العالم الإسلامي، فبالإمام التقي ينصلح أمر الأمة، وغياب القيادة المؤثرة أو الإمام القائم بتطبيق الشريعة والدفاع عن الحوزة الإسلاميّة يؤدي إلى ضياع كثير من مصالح الأمة وحدوث كثير من الانشقاقات والتحزب البغيض لدى طوائف الأمة على اختلاف مناهجها ومشاربها ولقد عانى كثير من الشعوب الإسلاميّة الاضطهاد والاذلال من جراء القيادة العلمانية التي فرغت السلطة السياسية من محتواها الشرعي وحولتها إلى اداة للقمع وتعميق ركائز التغريب والعلمنة في المجتمع الإسلامي، كما أن السلطة التي تكون في ايدي العلمانيين دائماً تستخدم من اجل تشكيك الناس في صلاحية العلماء كقيادة، وتشويه سمعتهم ونزاهتهم ن حتّى تفر الأمة وتنفض من حول القيادة الرسالية، ويستأثر هؤلاء العلمانيون بالتوجيهوالحكم كما يحلولهم، ويأملون بذلك أن تزداد القيادة الحقيقية غربة وبعدا عن المجتمع أو عن القاعدة الشعبية.
وإذا حسمت القضية بالنسبة للعالم الشيعي ؛ وبخاصة في إيران واستطاعوا أن ينتزعوا الحكم من السلطة المستبدة فيها بفضل مبادرة الإمام الخميني قدس سره، فإن القضية لم تكن تحسم بالمتسوى المطلوب في العالم السني ؛ فما زال أهل السنة والجماعة يتخبطون في قيادات عديدة ولم يظهر لهم بعد امام، أو قيادة دينية مؤثرة موحدة ؛ بحيث يكنون لها الخضوع والانقياد ففي كلّ قطر سني قيادات عديدة لمنظمات إسلامية منهم ذوو مؤهلات علمية من الجامعات الغربية ومنهم ذوو مؤهلات علمية من جامعات الشرق الأوسط ومن الجامعات الإسلاميّة في الداخل أو في خارج القطر، ولكن الغالبية دائما قيادات علمانية متغربة.
وهذا التعدد في قيادة منظمات عديدة في مجال الدعوة والسياسة الإسلاميّة يوظفه اعداء الإسلام من العلمانيين والمنافقين والحكام المستبدين لضرب المنظمات بعضها ببعض ؛ حتّى لا تكون لها قائمة أو على الأقل يضمحل نفوذها وتذهب ريحها ويحث إنّ
(603)
القضية من الأهمية بمكان فلا مناص من معالجتها بشكل مستعجل وحاسم فيما لو أريد للحركات والمنظمات الإسلاميّة النجاح والغلبة.
5 ـ الطائفية والعصبية:
أن النزاعات الطائفية والعصبية والنزوع إلى التنازع بدلا من الحوار الهادئ البناء في حسم الخلافات بين أفراد الشعب أو فيما بين المنظمات لها اثر كبير في تردي الاوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية إلى مستنقع أسوأ في الأقطار المسلمة.
لقد استطاعت الدول الغربية أن تبني وحدات عديدة، ووضعت صيغاً للاتقاق في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي بالرغم من اختلاف مذاهبها الدينية والسياسية.
ولكن فشلنا نحن كأمة واحدة في أن نضع صيغة من الحلول المناسبة بحيث يتفق عليها المجمع في مستوى من المستويات.
أن التناحر بين الفئات الإسلاميّة في بعض الأقطار المسلمة قد ترك آثاراً أشد فجاعة ومرارة من التي منيت الأمة بها في الماضي وهي في طريقها إلى بناء المستقبل وتلمس سبل الرشاد والوحدة ومن المعلوم «أن العصبية المذهبية أوجدت حواجز كثيفة بين المسلمين في الماضي وأورثت فيما بينهم من العداوات ما شغلهم عن أعداء الإسلام ـ على اختلاف انواعهم ـ وعن الأخطار المحدقة بالإسلام وقد كان أهمها في هذا الأمر الاستعمار والإلحاد والتشكيك بالإسلام».
6 ـ مؤامرات قوى مناوئة للإسلام:
لا شك أن هناك كثيرا من المؤامرات والشراك تقيمها قوى مناوئة للإسلام والحركات الإسلاميّة في العالم من قبل الاستعمار والصهيونية والمؤسسات الدولية ـ سواء
(604)
كانت ثقافية أو اقتصادية ـ التي يهيمن عليها الكفرة من اجل الحيلولة دون وصول الإسلاميين إلى تولي السلطة السياسية في الأقطار الإسلاميّة لقد حاولوا إطفاء جذوة الانبعاث الإسلامي بطرق شتى وفي كلّ مكان وقدموا مساعدات ضخمة اقتصادياً وإعلاميا بل وعسكريا من اجل توطيد أركان الحكام العلمانيين المتسلطين في الجزائر وتونس ومصر وغيرها وشوهوا سمعة الرموز الإسلاميّة والشخصيات الحركية الناشطة، بل أساؤوا إلى سمعة الإسلاميين ككل في أبواق أعلامهم مما ينطلي الأمر على الجميع ويختلط الحابل بالنابل ويضيع الحق في متاهات التضليل والخداع.
7 ـ الفقر الاقتصادي وضعف الصناعة:
ابتلي العالم الإسلامي بسلسلة من المشكلات المستعصية من الفرقة والحرب الأهلية والاستعمار وكيد الأعداء من الصهيونية وغيرها مما انتج ذلك ركودا في الثقافة وانحسارا في مستوى التعليم وندرة الأيدي العاملة الكفوءة وضعف الصناعة وتدني مستوى الإنتاج، وذلك ما أدى إلى وقوع الأمة في الحلقة المفرغة بين الفقر والتأخر التعليمي والجهل والمرض ونحوها ومما يزيد الطين بلة أن القروض الخارجية التي تقدمها الدول الغربية والبنوك الدولية للدول النامية في الغالب مقترنة بالسياسة الاقتصادية التي تكرس التبعية ومزيدا من التعلق بالدول الغربية ومزيداً من الفقر إضافة إلى ضياع الاستقلال الحقيقي للدول المعنية ومن هنا كانت المشكلة الاقتصادية من أكبر المشاكل التي يعاني منها الحكام الوطنيون، وهذه المصاعب تجعلهم خاضعين لمخططات قوى الاستكبار العالمي التي تمتلك المال والسلاح.
ومن ناحية أخرى فإن انعدام الاستقرار ـ سواء على مستوى السياسة الخارجية أو الداخلية ـ وانعدام الشعور بالأمن، وانتهاك حقوق الأفراد وانعدام حرية التصرف، يحول
(605)
دون تقدم الدول الإسلاميّة في الاقتصاد والصناعة ثم أن تغرير الدلو النامية وكبت طاقاتها وتحجيم حقيقتها وخلق الأعذار في طريقها من قبل الدول المستعمرة، كزعمهم أن صناعات الآلات الحقيقية تحتاج إلى وقت طويل، وان على الدول النامية أن تقوم بصناعة الحاجات الأساسية لصرف البلاد إلى الصناعات الاستهلاكية وان التقدم يحتاج إلى مراحل متعددة ومتوالية، وتثبيط عزائم الأمة بالساسة العملاء يؤدي إلى تخلف واصح، وجعل البلاد الإسلاميّة وعموم البلاد النامية سوقا رائجة لمنتجات الغرب ثم ربط هذه الدول بصفقات قروض بحجة تحويل المشاريع والذي له مخاطر وخيمة على الاقتصاد أن هذا الأسلوب ابتكرته أوروبا الغربية للسيطرة على العالم لقد استغلت أمريكا الضعف المالي لمنظمة التحرير الفلسطينية كي ترضى بالحل الأمريكي الصهيوني لمشكلة فلسطين بالغرم من بعده عن العدالة ومبادئ حقوق الإنسان وهناك حكام الدول الإسلاميّة الأخرى رضخوا تحت وطأة الديون والفقر الاقتصادي لمخططات القوة الغربية لكي يقوموا بتنفيذ برامج ثقافية وسياسية واجتماعية من شأنها أن تضاعف من وطأة العلمنة والتغريب في شخصية أفراد الأمة.
8 ـ ضعف فعالية التنظيمات الإسلاميّة :
لقد تناول علماؤنا الإجلاء ودعاتنا الأبرار بالتمحيص والتشخيص مظاهر الضعف في كيان المنظمات الإسلاميّة في كتبهم فمنهم الدكتور السدي محمّد نوح في كتابه «آفات على الطريق» حيث ذكر فيه الآفات التي تعتري العاملين الإسلاميين كأفراد مثل الفتور في الحماسة والإسراف والاستعجال والعزلة والإعجاب بالنفس والغرور والتكبر ونحوها وتناول الشيخ يوسف القرضاوي أيضاً هذه القضية حيث قال: أن مصدر الخلل في الحركة الإسلاميّة هو ضعف النقد الذاتي والانقسام والاختلاف وغلبة الاتجاه العاطفي على
(606)
الاتجاه العقلي والعلمي والخوف من التجديد ونحوها.
أن العمل الجماعي الناجح يتطلب في الواقع توافر شروط معينة نحو وجود الطاقة العاملة النشيطة والتنظيم الفعال إضافة إلى وجود وسائل تكنولوجية تتناسب مع متطلبات العصر والأخلاقيات الحركية تحول دون تصدع المنظمات الإسلاميّة من الداخل ومن الملاحظ أ، اكثر هذه المنظمات والحركات الإسلاميّة تعاني كثيراً من أنواع العجز في مجالات شتى ؛ سواء في التخطيط أو التنظيم أو الرجال أو المال.
9 ـ ضعف تواجد الكيانات الدولية الإسلاميّة:
ومن ناحية أخرى فإن المنظمات الدولية الإسلاميّة كمنظمة مؤتمر العالم الإسلامي وغيرها ضعيفة من حيث تأثيرها على الأحداث وإمكانيتها في تسير دفة السياسة العالمية لصالح الأمة المستضعفة لقد رأينا اخفاقات عديدة في معالجتها لقضية المسلمين في البوسنة والهرسك وفي الصومال وفلسطين وغيرها. وحيث أن العوامل التي تضعف قوة هذه الكيانات الإسلاميّة كثيرة فينبغي النظر ومعالجة مسبباتها واقتلاع هذه العلل من جذورها.
10 ـ الأعلام الإسلامي دون مستوى المواجهة:
أن الجرائد والمجلات والنشرات أو المطبوعات وحتى الإذاعات الإسلاميّة ما زالت محدودة من حيث تأثيرها في تكوين العقلية الإسلاميّة الصافية في كثير من أقطار العالم الإسلامي، والإعلام الإسلامي اضعف ما يكون في الدول الغربية أو دول آسيا الوسطى ن ذلك لان العوالم الحيوية التي تساعد على نشاط الأعلام وتوسيع دائرة نفوذه تكاد تكون مفقودة، ومن هنا فإن المنظمات الإسلاميّة وأجهزتها ينبغي أن تعمل جاهدة من
(607)
اجل تعزيز جهاز الإعلام الإسلامي كي يكون في مستوى العصر.
11 ـ غياب الممارسات السياسية الناضجة والصحيحة:
من الملاحظ أن محاولات تطوير المجتمع طبقا للمسار الإسلامي دائما ترتطم بالتدابير القمعية غير الديمقراطية في الدول العربية والإسلاميّة ، ثم أن الممارسات السياسية من قبل الحكام ليست في مستوى من النضج والانفتاح والديمقراطية بحيث تسهل العمل من اجل تطوير المجتمع طبقا للمشروع الإسلامي والغريب أن طلائع العمل الإسلامي دائما تواجه صعوبات جمة من اجل ممارسة حقوقهم السياسية والاجتماعية بالمقارنة مع فصائل أخرى علمانية أو قومية أو طائفية فهؤلاء دائماً ضحية المطاردة والإقصاء والتنكيل والإذلال من قبل حكوماتهم فكأن الساسة في أقطار العالم الإسلامي أكثرهم ينظرون إلى الحل الإسلامي وطلائع العمل الإسلامي بعين التخوف والشكوك والريب، ومن هنا فلا غرابة إذن أن يتحول الوضع السياسي والاقتصادي فيها إلى أسوأ ما يكون.
12 ـ ضعف التربية الإسلاميّة الحركية:
الحركات والمنظمات الإسلاميّة تزداد باطراد بفعل الانقسامات والانشقاقات الداخلية أو ظهور جيل جديد لا يؤمن بصلاحية القوالب التي أسسها سلفهم، لذا فإن ضعف مستوى التربية الحركية في كثير من هذه المنظمات أمر ملحوظ ومشهود.
ثمة عوامل عديدة تساهم في أحداث هذه الظاهرة منها: قلة الخبراء والعلماء الذي صقلتهم الخبرة والتجربة، وكذلك ضعف الموارد المالية والرجال الحركات الإسلاميّة أما مجال التعليم الرسمي في هذه الدول فما زال تكتنفه الازدواجية وتسرب المفاهيم العلمانية
(608)
والقومية في تدريس المواد الدراسية مما يضعف رابطة الأخوة الإسلاميّة العالمية وتتضاءل نزعة التدين ويتدنى مستوى الالتزام الخلقي وينسلخ المراهقون والشبان من التراث والأصالة ولقد دلت الإحصاءات التي نشرت من قبل المسؤولين من حين لآخر على أن مقدار الجريمة والزنا والجنح والمخالفة التي ارتكبها الجيل الناشئ والشبان في هذه الدول يزداد باطراد.
13 ـ ضعف مستوى التسلح وانعدام التقنية لصناعة الأسلحة المتطورة:
أن اغلب الدول النامية تعاني العجز الاقتصادي والتأخر في الصناعة وقلة الخبراء، وبخاصة فيما يتعلق بصناعة الأسلحة الحديثة المتطورة، والدول الإسلاميّة أيضاً تعاني هذه المشكلة مما يجعلها فريسة سهلة لقوى الاستعمار والدول الكبرى في الهيمنة عليها عند نشوب النزاع أو الحرب، والتحكم في مصيرها السياسي والاقتصادي والعسكري، أن حادثة بناما وهيتي وغيرهما تعكس مدى هيمنة القوى الكبرى ليس فقط على الدولة الضعيفة، بل وعلى أجهزة ولجان الأمم المتحدة.
14 ـ غياب البعد النظري الموفق تجاه مخططات القوى الإمبريالية فيما يتعلق بالقضايا الدولية التي تمس مصالح المسلمين:
من البداهة أن القوى الإمبريالية والدول الغربية تضع مخططات بعيدة المدى من اجل تحجيم قوى الدول النامية والأمة الإسلاميّة على وجه الخصوص في مجالات عديدة سواء كانت في الاقتصاد أو في التكنولوجيا المتطورة أو في السياسة وغيرها، ومن ثم على رؤساء الدول الإسلاميّة أن يكونوا على وعي ويقظة وبصيرة إزاء مخططات الأعداء ثم عليهم أن يتخذوا موقفا موحدا من اجل مواجهة هذه المخططات. غير أن الواقع
(609)
ـ مع الأسف ـ يعكس خلاف ذلك فهؤلاء الحكام يتصرفون بصورة انفرادية مما يسهل على قوى الاستعمار إخضاع الأمة الإسلاميّة وإذ لها.
وهناك مشاكل أخرى تتعلق بالحدود والنزاع حول السيادة على منطقة البترول وما إلى ذلك من المشاكل تنذر بانفجارات عديدة بين الدول الإسلاميّة في المستقبل. وفي الواقع إنّ قائمة هذه القضايا ستطول إلى ما لا نهاية لها فيما لواردت استعراضها بالتفصيل، ولكن المهم الآن هو: كيف تحل هذه المشكلات أ« يقلل من غلوائها إلى حد أدنى ؟ وحيث إننا نلتزم بالبحث عن الوحدة كأساس لحل هذه المعضلات فلا مناص أذن من أن نستشف الحل من خلال هذا المدخل أي مدخل الوحدة.
دور الوحدة في معالجة هذه المشاكل:
الوحدة لها أبعادها العديدة، ولعل البعد الجذري منها هو البعد الفكري أو العقائدي، إذ أن الفكر أساس العمل والتصرف والفكر في حد ذاته يعتمد على عناصر وعوامل عديدة فإضافة إلى رصيد العلم والفهم ووضوح التصور في شأن القضية المعنية، والموضوعية فإن الفكر ينبني على المنهج أو الأسس المنطقية السليمة للتوصل إلى خلاصة فكرية صحيحة.
وعلى ذلك كان من الضروري تأصيل المنهج الفكري المستقيم في المجتمعات الإسلاميّة ليتبناه أفراد الأمة، كي يصلوا إلى مستوى معين في التماثل الفكري وبذلك يستطيعون أن يتوحدوا فكريا إلى حد ما وإذا استطعنا أن نحقق نوعا من التقدم في مجال الكفر، والوصول إلى مستوى معين في التماثل الفكري عن طريق تقريب الهوة وإزالة الفجوة الحاصلة فيما بين المناهج الفكرية المتباينة أو على الأقل عن طريق اتفاق على المنطلقات الجوهرية في فهم المشاكل دونما تكفير أو تفسيق بعضنا بعضاً، نكون قد قطعنا شوطا لا بأس به في الاتجاه نحو التوحد.
(610)
ومن ناحية أخرى، لابد أن تتظافر الجهود من أجل محاربة البدع والخزعبلات أو الفكر الخرافي والأمية الدينية والأفكار العلمانية أو الرضوخ إلى الأقاويل أو الاتجاهات الانهزامية والاستسلامية المفروضة من لدن قوى الاستكبار العالمي أن الطاقة الذهنية لمفكري الأمة ينبغي أن توظف توظيفاً سليماً بحيث تعالج قضايا حيوية ومصيرية لصالح الأمة بدلا من أن تبدد في قضايا فرعية وهامشية لا تسمن ولا تغني من جوع.
وفيما يتعلق بالعلمانية فإن الوحدة في الفكر فقط قد لا تأتي بالثمار المرجوة فلابد من إقامة قلعة أو قلاع إسلامية لندك حصونها بشكل مؤثر أقول: لابد أن نقيم كيانا سياسيا إسلاميا قويا في كلّ أقطار العالم الإسلامي ليكون قاعدة للانطلاق الرسالي وبداية للتغيير الاجتماعي على نهج شامل في مختلف مناحي الحياة الإسلاميّة .
ووجود هذا الكيان السياسي مرتبط بوجود قيادة دينية سياسية موحدة يحترمها جميع فصائل العمل الإسلامي فوق مستوى التأثر بنزاعات مذهبية أو طائفية أو عنصرية ومن المعلوم أن الوحدة الفكرية قد تساهم في تعزيز قناعات إيجابية لدى الأمة من اجل التغلب على نزاعات الانفراد والتشرذم أو الفرقة، وذلك بواسطة تنصيب قيادة دينية سياسية عالمية، وبالرغم من أن هذا الاتجاه قد يحاربه كثير من القوى المناوئة شرقا أو غربا بيدانه قد يعيد الأمة إلى مجدها وقوتها اثر غياب الخلافة العثمانية في الساحة الدولية.
أرى أن القيادة الإسلاميّة الموحدة أمر يحوي وملح في مواجهة ظواهر ارتداد كثير من الأنظمة القائمة في العالم الإسلامي الآن وإذا لم تحسم هذه القضية فإن الصحوة الإسلاميّة ما زالت في طور الوهن والضعف المستمر لا حول لها ولا قوة.
أن الوحدة الفكرية السياسية أذن تعتبر برنامجا من برامج العمل المستعجل تمهيد الوجود الكيان السياسي الموحد ولقيادة العمل الإسلامي العالمي التي
(611)
يلتزم بأمرها الجميع.
إضافة إلى ذلك لابد أن نقيم مراكز العمل في كلّ قطر مزودة بجميع الإمكانات اللازمة لتحقيق إنجازات جزئية ومستمرة في هذا الاتجاه وإذا كان أعداء الصحوة الإسلاميّة لهم مراكز العمل ومراصد ومرافق في جميع أقطار العالم ؛ ولهم عيون ورجال من جميع الجنسيات فعلى أقل تقدير يجب أن يكون لنا نحن أيضاً مثل هذه الإمكانات، ثم لابد من مواجهتهم بما يواجهوننا به.
وإذا ما نجحنا في بناء قلعة أو قلاع إسلامية، وتحولت دولة ما إلى حصن من حصون العمل الإسلامي فبظل التعاضد والتكاتف ووحدة الصف والعمل نستطيع أن نواجه المؤامرات ونتغلب على كثير من الفخاخ المنصوبة من قبل المستعمرين وأذنابهم على كلّ المستويات.
وفيما يتعلق بمشكلة الفقر الذي يعاني منه كثير من الدول الإسلاميّة فيمكن التغلب عليه بواسطة إيجاد نوع من التحالف على المستوى الإقليمي أو العالمي فيما بينها وتنسيق السياسة المالية والتنموية والتصنيع بما يكمل النقص وتسديد احتياج الدول من قبل الدول المسلمة الأخرى طبقا لبرنامج تنموي شامل لسياسة التصنيع المتكاملة ثم أن تطبيق فكرة إقامة السوق المشتركة كما اقترحها الأستاذ نجم الدين اربكان حفظه الله قد يساهم بدوره أيضاً في حل هذه المعضلة.
إضافة إلى ذلك فإن وحدة الفكر الحركي الإسلامي بدورها تساهم في تقريب وجهات النظر فيما بين فصائل العمل الإسلامي في كلّ قطر، ومن ثم يمكن وضع صيغة لميثاق الدعوة الإسلاميّة تقلل من اثر الانشطار الحركي واختلاف قوالب الدعوة وتباين نوعية القيادة أن الوحدة الإسلاميّة إذا تحققت سواء كانت في السياسة أو الاقتصاد أو الثقافة أو العمل الحركي أو الإعلامي أو في المجال السلوكي يمكن أن تذلل كثيرا من
(612)
الصعوبات أو المشاكل التي يواجهها المسلمون كأمة واحدة، وهي بمنزلة درع واق مهم لمواجهة تحديات المستقبل ولذلك حاول الأعداء باستماتة ـ من حيث لآخر ـ بث عوامل الفرقة والتباغض فيما بين المسلمين مستغلين تباين المواقف والمدارس والمناهج والأعراق والأقطار والانتماءات وإذا استطاع المؤمنون أن يرتفعوا بأنفسهم دون الانشغال بالقضايا الهامشية، وركزوا جهودهم في تحسين مصائرهم والانكباب على الأعمال التي من شأنها أن توحد صفوفهم وتكرس جهودهم لصالح الأمة ككل فيومئذ يتحقق النصر الموعود لهم أن شاء الله قال الله جل جلاله في محكم تنزيله: ﴿... ولينصرن الله من ينصره أن الله لقوي عزيز﴾([5]).
([1]) ـ الأنعام: 145.
([2]) ـ رواه مسلم.
([3]) ـ رواه مسلم.
([4]) ـ التحليق: هو إخراج الكلام من الحلق.
([5]) ـ الحج: 40.
ارسال نظر