وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
العلاقة بين التطرف والإرهاب والتكفير
۱۳۹۷/۰۹/۲۶ ۱۰:۴۲ 1408

العلاقة بين التطرف والإرهاب والتكفير

العلاقة بين التطرف والإرهاب والتكفير

لأستاذ الدكتور جعفر عبدالسلام

الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية

 

مقدمة:

     منذ العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين روع المجتمع بظاهرة الإرهاب بعد أن كان قد شهد فترة من السكون فى أعقاب الحرب العالمية الثانية. ففى عقد السبعينات وفى منتصفه نشطت عمليات الإرهاب خاصة ضد الطائرات، وعلى وجه الخصوص الطائرات الأمريكية والإسرائيلية. وفى عقد الثمانينات نشط الإرهاب من جديد وشهدنا موجات عارمة منه([1]) وفى عقد التسعينات وقد نشط الإرهاب نشاطاً بالغاً كما كنا نرى خاصة على أرض مصر الحبيبة، وأرض الجزائر بلد المليون شهيد، وفى مناطق أخرى متفرقة فى أوروبا وأمريكا والشرق الأوسط على وجه الخصوص ([2]).

     والواقع أن القرن الحادى والعشرين قد شهد توسعاً بالغاً في ظاهرة الإرهاب وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001م والتفجيرات الواسعة في برجي التجارة بنيويورك وضرب البنتاجون بطائرات مدنية، والتى أودت بحياة الآلاف من الأمريكيين وغيرهم، بدأ الإرهاب يتخذ مساراً جديداً، فلقد اتهم فريق من المسلمين بإحداث هذه الضربات الموجعة، وبدأ تنظير من جانب الباحثين الأمريكيين يدين الإسلام والمسلمين بارتكاب هذه الأفعال. وبدأ حديث عن "الخطر الأخضر" وهذا الخطر الجديد في رأى هؤلاء يحاول القضاء على الحضارة الغربية وعلى التقدم الكبير الذي أحرزته في السنوات الأخيرة، وتحدث المنظرون عن الأصولية الإسلامية والتى تجعل من المسلمين فريقاً من الناس يتنكرون للغير ويرفضون الحوار ويعيشون على أفكار وتقاليد جامدة غير قابلة للتطور ويؤمنون بضرورة استخدام القوة ضد الآخر. لقد اتخذ الإرهاب مساراً جديداً بعد هذه الأحداث وبدأت الولايات المتحدة تقود ما اسمته بالحملة الدولية للقضاء على الإرهاب، وقد ضربت تحت هذا المسمى أفغانستان ثم العراق ووجهت ضربات موجعة لما أطلقت عليه تنظيم القاعدة والذي شمل معتقلين مسلمين أساساً وضعوا في سجن خاص في كوبا "جوانتاناموا" في ظروف بالغة القسوة، ولسنا هنا بصدد الدفاع عن الإسلام أو عن تنظيم القاعدة، إنما نريد أن نجلى الموقف حول الإرهاب وأن نضع النقاط على الحروف حول هذه الظاهرة.

     والواقع أن الإرهاب بأى وضع هو جريمة دولية مهما كان المكان الذى ارتكب فيه، وهذه الصفة أسبغت عليه منذ الثلاثينات حيث اتفقت الدول على ذلك فى اتفاقية شهيرة خصصت لتعريفه ولتضع أسس التعاون الدولى للقضاء عليه، ويغنينا ذلك عن حديث ربما يطول عن بشاعته، وتهديده للنظام والأمن على كافة المستويات، ولما كان رجال القانون يعالجون القصد الجنائى، والبواعث على ارتكاب الجريمة والعقوبة المقررة لها، فإننا سنتطرق إلى هذه العناصر والأركان الأساسية اللازمة للحكم على الظاهرة، فهدف القانون الجنائى الدولى من تقرير العقوبات ليس فقط زجر الجانى وتقويمه، بل ردع غيره ومنعه من الاقتراب من حافة الجريمة، فضلاً عن الأهداف الاجتماعية للعقوبة والتى تتمثل فى علاج المجتمع من الأمراض وتخليصه من المشاكل التى تؤدى إلى ارتكاب الجريمة. ومناهج كلية الشريعة والقانون واضحة فى التركيز على هذه الجوانب العلمية المرتبطة بالجريمة، حيث يبحث عن الإجرام والعقاب فى أسباب الجريمة والعوامل التى تؤدى إلى قيامها، وكيفية تلافى وقوعها، فلم يعد كافياً دراسة الجريمة وأركانها، وإنما صار من الضرورى دراسة الأسباب ووضع طرق العلاج.

     إنه إذا كان العالم وعلى رأسه الولايات المتحدة قد شهد العديد من حالات الإرهاب، إلا أنه يجب ألا نغفل أن مصر الكنانة قد شهدت ألواناً منه ربما لم تشهدها فى تاريخها الطويل، وسقط عشرات من أبناء شعبنا صرعى بيد بعض المتطرفين والمتشددين من هذا الشعب، ولم تتوقف المواجهة حتى الآن بين الفئات التى تمارس الإرهاب، وبين رجال الأمن فى مصر، الأمر الذى يقتضى بذل كافة الجهود الممكنة وفى كل الاتجاهات لمحاولة تشخيص هذه الظاهرة الشاذة ومعرفة أسبابها، ووضع الحلول الكفيلة بالقضاء عليها بعد ذلك.

     إن التناول العلمى المجرد لأى ظاهرة هو الطريق الصحيح لسبر أغوارها والتعامل معها، لذا كان لزاماً علينا أن نقدم هذه الورقة لعلها تسهم فى الكفاح ضد الإرهاب.

     لذلك سنتناول فى القسم الأول العلاقة بين التطرف والإرهاب والتكفير، والخصائص التى تميز الجريمة

ثم نتناول فى القسم الثانى موقف الإسلام من جرائم الإرهاب والتطرف.

وندعو الله أن يجنب بلادنا هذا الشر المستطير                                      

                                           وبالله التوفيق

القسم الأول: العلاقة بين التطرف والإرهاب والتكفير وخصائص جريمة الإرهاب

في البداية ونحن نتعرض لدراسة العلاقة بين التطرف والإرهاب والتكفير

وخصائص جريمة الإرهاب، أن نحرر بعض المفاهيم المتعلقة بهذه القضية على النحو التالي:

التطرف:

التطرف لغة مشتق من "الطرف" أي "الناحية" ,أو منتهى كل شيئ". وتطرّف "أتى الطرف", "وجاوز حد الاعتدال ولم يتوسط ".

وكلمة "التطرف " تستدعي للخاطر كلمة "الغلوّ" التي تعني تجاوز الحد . وهو من "غلا" "زاد وارتفع وجاوز الحد ". ويقال الغلو في الأمر والدين. والتطرف مصطلحاً يضاد مصطلح "الوسطية" الذي هو من الوسط " الواقع بين طرفين ", كما يقول الأصبهاني في مفردات غريب القرآن . وهو يحمل في طياته معنى "العدل". والتوجيه القرآني كان دوماً يحث على الاعتدال, فالله سبحانه لا يكلف نفساً إلا وسعها. وهو يعلي من شأن اليُسر . وهو ينهى عن البخل والشح؛ لأنهما تطرف في التعامل مع المال. وكثيرة هي الأحاديث النبوية التي تشرح ذلك وتدعو إلى الرفق "إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، ولن يشاد أحد إلا غلبه " . والتطرف يرتبط عادة بالانغلاق والتعصب للرأي, ورفض الآخر وكراهيته وازدرائه وتسفيه آرائه وأفكاره. والمتطرف فرداً كان أم جماعة ينظر إلى المجتمع نظرة سلبية, فلا يؤمن بتعدد الآراء والأفكار ووجهات النظر, ويرفض الحوار مع الآخر أو التعايش معه ومع أفكاره, ولا يبدي استعداداً لتغيير آرائه وقناعاته, وقد يصل به الأمر إلى تخوين الآخرين وتكفيرهم دينياً أو سياسياً, وربما إباحة دمائهم. ويزداد خطر التطرف حين ينتقل من طور الفكر والاعتقاد والتصور النظري, إلى طور الممارسة والتطرف السلوكي, الذي يعبر عن نفسه بأشكال مادية من أعمال قتل وتفجيرات وتصفيات واستخدام لوسائل العنف المادي المختلفة لتحقيق بعض الأهداف. وعادة ما يكون التطرف السلوكي والمادي نتيجة وانعكاساً للتشبع بتطرف سابق في الفكر والقناعات والاعتقاد([3]).

والتطرُّف إذن لا ينحصر في الجانب الدّيني فحسب، فهناك أشكال مختلفة من التطرُّف السياسي والثقافي والاجتماعي والإعلامي، وإذا كان التطرّف الدّيني اليوم هو البارز على الساحة، فلا ننسى أنّ تطرُّفاً يسارياً قد ساد المنطقة العربيّة في فترة الستينات وبداية السبعينات.

 

الإرهاب:

تنوعت تعريفات الإرهاب ولم يتم يتحديد معنى شاملا جامعا مناعا له، وعلى الرغم من ذلك يمكن أن نعرف الإرهاب باختصار بأنه عبارة عن العمليات المادية أو المعنوية التي تحوي نوعاً من القهر للآخرين, بغية تحقيق غاية معينة".

لا شك أن قضيّة الإرهاب يرفضها الإسلام، بل إنه –كما سنشير مفصلا فيما بعد- يفرض على كافة أتباعه احترام الناس الأبرياء في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، وتحريم عقوبة إنسان على أساس خطأ غيره، لأنّ الله يقول: (ولا تزرُ وازرةٌ وِزْرَ أخرى . (وينبِّه إلى الفرق بين الأعمال الإرهابيّة والأعمال الّتي يفرضها للدّفاع عن حرياتنا وعن شعوبنا وعن القضايا الكبرى الّتي نؤمن بها.

إذن هناك فرق بين حركات الحريّة السلمية المشروعة في القوانين والدساتير المحلية والدولية وبين حركات الإرهاب المجرم شرعا وقانونا. والحريّة تتحرّك في حجم قضايا الإنسان، بينما يتحرَّك الإرهاب في دائرة الأطماع الشخصيّة للفرد، والنوازع الذاتيّة للإرهابي والإرهابيين ومن يقف وراءهم.

 

التكفير:

وقد بيَّن المرحوم الشيخ العلامة محمد سعيد البوطي، أنّ التكفير أسلوبٌ في التفكير يقوم على أساس البحث عن أدنى احتمال يمكن أن يؤدّي إلى الحكم بتكفير المسلم، والحكم أيضاً بتكفير من قدّم معونةً إلى من سبق عليه الحكم بالكفر مزاجيّاً، وتجويز القتل على أثر هذا الحكم، وهو ما يتعارض مع العقل والكتاب والسنّة.

والمدقق في مناشط التكفيريين وسلوكهم يجد أن مشكلة هؤلاء، أنهم لا يملكون العقل المنفتح والثّقافة العميقة الواسعة في أصول العقيدة والتّشريع، بما يقودهم إلى الحوار والجدال بالّتي هي أحسن، ولا سيّما في فتاوى قتل المسلمين الّذين يلتزمون بما يرفضه هؤلاء ويعتبرونه شِركاً وكفراً".

وتلك هي مشكلة الظّاهرة التكفيريّة في هذا العصر، والتي تحوّلت إلى خطر على الواقع الإسلامي كلّه، فيما يقوم به هؤلاء من المجازر الوحشيّة الّتي تطاول الرجال والنساء والأطفال من دون أيّ ذنب.. وهذا ما أدى إلى تشويه صورة الإسلام لدى الآخرين، واعتباره دين عنف وإرهاب، انطلاقاً من الأوضاع السلبيّة الّتي أصبحت في مستوى الظّاهرة في أكثر من بلدٍ إسلامي.

إنّ المشكلة لدى الاتجاه التكفيريّ، أن كثيراً من أصحابه ينطلقون من حالة جهل مغلق لا ينفتح على الآخر من خلال عناصر العلم. فالتّكفير ينمُّ عن ذهنيّة الانغلاق، ولا يعبِّر عن أصالةٍ ووعيٍ بحقيقة الدين وتعاليمه، ويعبّر بالتّالي عن جهلٍ وتخلُّف؛ فالّذين يكفّرون المسلمين بلا حساب، ويصدرون كلّ يومٍ فتوى بتكفير هذا المذهب أو ذاك المذهب، هم فريق متخلِّف، لا يحاول أن ينظر إلى الأفق الإسلاميّ الرّحب الّذي يلتقي عليه المسلمون في الشّهادة بوحدانيّة الله وبرسالة رسول الله، وبالإيمان باليوم الآخر والكتاب الواحد، وإنما يحاولون أن يتوقّفوا عند الهوامش الصّغيرة، وعند التفاصيل، ليفصلوا مسلماً عن الإسلام، وليكفّروا فريقاً، ويعلنوا إيمان فريقٍ آخر...

هؤلاء متخلّفون، يعيشون ذهنيَّة مغلقة تعيش في زوايا التّاريخ المتخلّف الدّامي، ولا ينفتحون على الأفق الواسع الّذي ينطلق من قوله تعالى: (..فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ..)(البقرة: 115(.

وعن العلاقة بين هذه المصطلحات التي أشرنا إليها يقول إدريس عمر: "التطرف يرتبط بمعتقدات وأفكار بعيدة عما هو معتاد ومتعارف عليه سياسياً واجتماعياً ودينياً دون أن ترتبط تلك المعتقدات والأفكار بسلوكيات مادية عنيفة في مواجهة المجتمع أو الدولة.

أما إذا ارتبط التطرف بالعنف المادي أو التكفير أو التهديد بالعنف فإنه يتحول إلى إرهاب, فالتطرف دائماً في دائرة الفكر أما عندما يتحول الفكر المتطرف إلى أنماط عنفية من السلوك من اعتداءات على الحريات أو الممتلكات أو الأرواح أو تشكيل التنظيمات المسلحة التي تستخدم في مواجهة المجتمع والدولة فهو عندئذ يتحول إلى إرهاب. والارهاب هو أداة أو وسيلة لتحقيق أهداف سياسية, سواء كانت المواجهة داخلية, بين السلطة السياسية وجماعات معارضة لها, أو كانت المواجهة خارجية بين الدول. فالارهاب هو نمط من أنماط استخدام القوة في الصراع السياسي, حيث تستهدف العمليات الإرهابية القرار السياسي, وذلك بإرغام دولة أو جماعة سياسية على اتخاذ قرار أو تعديله أو تحريره, مما يؤثر في حرية القرار السياسي لدى الخصوم.

 

خصائص جريمة الإرهاب:

     لعلنا لا نجد صعوبة فى القول بأن جريمة الإرهاب هى أشد أنواع الجرائم التى ترتكب فى عصرنا، وأخطرها لأنها جريمة جماعية ترتكب من مجموعات ضد مجموعات أخرى فى العادة، وتترك أثراً بالغاً، ليس فى عقول وقلوب الحكام فحسب، بل قد يتجاوز الأثر هذه الدائرة، ويروع المدنيين الأبرياء، وهذه إحدى السمات الأساسية للجريمة الدولية (سمة جماعية الفعل) وامتداد أثرها إلى دائرة واسعة من البشر.

     كذلك من السمات المميزة لهذه الظاهرة شيوعها وعالميتها، إن الأعوام الأخيرة لم تشهد فقط تزايداً واضحاً فى عدد حوادث الإرهاب بل إن الملفت للنظر هو اتساع الرقعة التى تمارس فيها هذه العمليات، لقد وقعت الحوادث فى الولايات المتحدة الأمريكية([4])، وفى أمريكا اللاتينية، فى أوربا ومنطقة الشرق الأوسط.

     ومما يلفت النظر وقوع حوادث إرهابية فى مصر والجزائر على وجه الخصوص فى السنوات الأخيرة، ربما لم تشهد بلدنا الحبيبة إرهاباً مماثلاً له من قبل، ومن السمات الرئيسية له:

* أن أغلب الذين يمارسون العمليات الإرهابية فى سن الشباب وربما فيما دون هذه السن.

* أن الإرهاب يوجه إلى أهداف معينة ولا يتوسع فيما عداها، فقد وجه إلى بعض الشخصيات السياسية وبشكل مكثف إلى رجال الشرطة وإلى سيارات ومواقع سياحية مثل النوادى الليلية والكازينوهات.

* أن بعض الجماعات تكشف عن أسباب بعض العمليات الإرهابية، وتتصل الأسباب المعلنة عادة بأمور دينية، مما جعل الكثير من المحللين والسياسيين يربطون بين الأصولية الإسلامية وبين الإرهاب والتطرف والتكفير.

* أن بعض العمليات الإرهابية، خاصة تلك التى وجهت إلى السياحة قد حققت أهدافها، وتم بالفعل تقلص الحركة السياحية الآن في كثير من المناطق في مصر، وفي أندونيسيا وفي لبنان مما حقق أثراً اقتصادياً بالغ السوء على هذه الدول وغيرها.

* أن الإرهـاب والإرورد الفعل المضاد ربما من المشرفين على الأمن صار يميز ما يتم من عمليات إرهابية فى مصر، خاصة فى سيناء وبعض الأماكن الآخرى حيث تشيع بين الناس أن تطور العمليات الإرهابية الآن قد تجاوز دوافع الإرهاب ليرتبط بدوافع الثأر كما بدأ بوضوح أن إرهاب الدولة لم يعد أقل أثراً عن إرهاب الأفراد، خاصة إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.

     والواقع أن الإرهاب الذى يتم فى مصر الآن يختلف فى بعض تفاصيله عن الإرهاب الدولى، وعن الإرهاب الذى يتم فى كثير من الدول الأخرى، ولعل من أهم عناصر الجدة فيه هو أنه يتم بإتقان شديد ويتحسس شخصيات مهمة كما حدث مع كبار رجال الأمن وكما حدث مع بعض المواقع الحساسة كمديريات الأمن، ولا يسهل الإمساك بمن قاموا بالأعمال الإرهابية. وكذلك فمما يستحق الدراسة إتمام بعض العمليات الإرهابية فى وضح النهار وبين الناس كما جرى فى محاولة اغتيال بعض الشخصيات الكبيرة في مصر، ومن قبلها عمليات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة. فإتقان العمليات الإرهابية بهذا الشكل يدل على توافر تدريب جيد للعناصر الإرهابية، مما يثير شبهة التنظيم الدولي فيه، وإن كان لم يقم دليل حتى الآن على مصدر هذا التدخل، والأسلوب الذى يتدخل به.

     ويجعلنا ذلك نميز بين هذا الإرهاب وبين الصور التقليدية له والتى عرضت على الساحة الدولية فى العديد من المناسبات، خاصة فى السبعينات والثمانينات.

     لقد كانت معظم عمليات الإرهاب موجهة إلى وسائل النقل الدولية وهى السفن والطائرات، وكانت تستخدم أساليب أخذ الرهائن خاصة الشخصيات الرسمية وعدم الإفراج عنهم حتى تتحقق مطالب الإرهابيين، وكان الإرهابيون يتحاشون فى العادة إزهاق الأرواح إلا للضرورة القصوى. ورغم خطورة هذه الأعمال ومساسها بالنظام الدولى، والمصالح الأساسية للمجتمع الدولى كله، إلا أن عدد الأرواح التى أزهقت فى الساحة كان محدوداً بالمقارنة بالخسائر الفادحة التى تنتج من الإرهاب حالياً ([5]).

     كما أننا يمكن أن نقول أن الغالبية العظمى من حوادث الإرهاب التى تمت فى الثمانينات قد وجهت إلى من يحملون الجنسيتين الأمريكية والإسرائيلية أو استهدفت ممتلكات لهاتين الدولتين ومن الغريب أن أحداً من ركاب الباخرة الإيطالية (أكيلى لاورو) التى اختطفت بالقرب من الشواطئ المصرية لم يصب بسوء سوى أمريكى واحد اختلف فى طريقة قتله، كذلك بالنسبة للطائرة المصرية المختطفة فى أثينا التى وقع الحادث الأليم بها فى مالطة، استهدف الإرهابيون، أشخاصاً إسرائيليين أو أمريكيين، وحوادث خطف الدبلوماسيين وأخذهم رهائن وجهت كذلك إلى أشخاص من جنسية الولايات المتحدة الأمريكية، وحتى الحوادث التى اتخذ الإرهاب فيها شكلاً جريئاً مثل حادث الإرهاب فى مطارى فيينا وروما كان موجهاً إلى مكاتب شركة العال الإسرائيلية أو استهدف قتل إسرائيليين أساساً، كذلك الحال بالنسبة للسيارات الملغومة والتى انتشرت بكثرة فى لبنان، كلها استهدفت أمريكيين وإسرائيليين أو هما معاً([6]) وبعضها في مصر في الآونة الأخيرة.

     وتفسير ذلك واضح، فالسياسة الأمريكية كانت تتعامل مع العالم على أساس أن المصالح الأمريكية والإسرائيلية، مصالح واحدة، أما إرهاب الثمانينات فمن الواضح أن المستهدفين فيه مصريون أو جزائريون حسب موقع الحدث، وعلى رموز السلطة فى الدولتين، كذلك فإن المعتدين جماعات وطنية غالباً حيث لم يثبت حتى الآن وجود جنسيات غير مصرية أو جزائرية بين مرتكبى الأحداث. وهذا التطور يعتبر من أخطر التطورات التى ترتبط بهذه الظاهرة فى الوقت الحاضر، خاصة أن القضية الفلسطينية لم تحسم حتى الآن، ولم تتخل إسرائيل عن سياستها حتى الآن فى اضطهاد الفلسطينيين والتنكيل بهم، كما لم تتخل الولايات المتحدة عن سياستها فى دعم إسرائيل ونصرتها، ومع ذلك فقد خمدت القوى المعارضة لها ولسياستها فى المنطقة، ولم تعد هناك أفعال عنف أو إرهاب توجه ضدها إلا نادراً، وأصبح الإرهاب حاليا يوجه إلى بعض حكومات المنطقة، وعلى وجه الخصوص مصر وليبيا واليمن وغيرها، فما هو دلالة هذا التحول، وما هى أسبابه ؟

إن هذا التساؤل يحتاج إلى بحث عميق فى طبيعة الأوضاع والعلاقات التى جدت فى منطقتنا حتى يمكن الإجابة عليه.

     ومن صور إرهاب الثمانينات أيضاً أن بعضه قد قامت به دول بنفسها وهو ما يطلق عليه قانوناً (إرهاب الدولة) ([7])، على ما يتضح من قيام إسرائيل بتدمير مقر منظمة التحرير الفلسطينية فى تونس، وقيام الولايات المتحدة بالاعتداء على طائرة ركاب مصرية وإجبارها على الهبوط فى مكان آخر غير ذلك الذى كانت ترغب فى الوصول إليه، فضلاً عن ممارسات عديدة تقوم بها إسرائيل لإرهاب المدنيين فى الأراضى المحتلة، واتخاذ تدابير قمع شديدة ضدهم، تنطوى على قدر كبير من الإرهاب، على ما يتضح من الإدانات الصريحة والعديدة التى صدرت ضدها سواء من الأمم المتحدة، أم من منظمات وهيئات أخرى عديدة معنية بحقوق الإنسان.

     كذلك لاحظنا أنه عند مناقشة الإرهاب فى اللجنة التى شكلتها الجمعية العامة للأمم المتحدة لدراسته، وجود خلاف واسع فيما تعتبره كل دولة إرهاباً، وإذا كان استخدام القوة ضد وسائل النقل الحديثة من طائرات وسفن وقطارات وأتوبيسات، يعد إرهاباً بلا خلاف، فإن الحكم على ظواهر أخرى من هذه الزاوية ليس محل إجماع، فقد اعتبرت وعلى سبيل المثال ? حكومة أفغانستان السابقة ما يقوم به الثوار فيها بمثابة إرهاب وأطلقت على الثوار صفة الإرهابيين، ووصفت حكومة (سرى لانكا) الخارجين عليها من طائفة التاميل بنفس الوصف، كما اعتبرت نيكاراجوا ما تقوم به الجماعات الثورية المدعمة من الولايات المتحدة الأمريكية لإسقاطها أعمالاً إرهابية، فى حين وصفت حكومة (زمبابوى) ما تقوم به حكومة اتحاد جنوب إفريقيا من إخلال بنظامها بارتكاب عمليات التخريب والقتل والتدمير فيه، بأنه إرهاب تمارسه الدولة الأخيرة ضدها.

     والواقع أن إرهاب الدولة أو إرهاب الدول يتجاوز كثيراً فى أثره إرهاب الأفراد العاديين، فالدولة قوة ولديها من الأسلحة ومن الرجال ما يمكنها تسخيره بصفة دائمة لممارسة الإرهاب على الدولة أو على الأشخاص، ولعلنا لا نبالغ إن قلنا إن الإرهاب بهذا المعنى هو بديل الحروب التقليدية ([8])، وإن الإرهاب قد صار محور نشاط مخابرات الدول الكبرى والدول الصغرى على السواء ([9]).

     والواقع أن الإرهاب الذي تقوم به الدولة يعكس مشكلة كبيرة، فكيف يسمح للدولة وهى سلطة ممثلة للشعب وعليها مهمة حمايته وتأمينه ، باستخدام القوة للقتل والعدوان حتى مع معتد أو مشتبه فى قيامه بعدوان، إن الدولة غير الأفراد، لذا لا أقر شخصياً استخدام السلاح للقتل خاصة إذا لم يكن رجل الشرطة فى مركز قانونى يعطيه هذا الحق وعلى حد علمى، فإن استخدام سلاح الدولة لا يجوز فى غير حالات الدفاع الشرعى وضبط المحكوم عليهم بارتكاب جرائم معينة على ألا تكون ضرب فى مقتل، وإلا لسادت الفوضى على نحو ما رأينا([10]).

إن من أبرز سمات الإرهاب الذى شهدت الكثير من دول العالم حدته وضراوته ، يبدو أن الهدف فى العديد من العمليات كان هو القتل لمجرد القتل والانتقام، على خلاف سمات الإرهاب الذى كان يتم سابقاً، فمما لا شك فيه أن العدوان من الأمور التى كانت وستظل دائماً فى الحياة التى نحياها، طالما كان هناك خير وشر يتدافعان، ولكن الإرهاب والعدوان لم يكن يتخذ هذا الطابع الدموى من قبل.

   ذلك أن استراتيجية الإرهاب التى سادت فى القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين مرورا بوقتنا الحالي قد حاولت أن تستفيد من التطور الهائل فى وسائل الإعلام، ذلك التطور الذى مكن العالم من أن يسمع ويرى ما يدور فى مختلف أرجائه من كل الناس، وفى نفس الوقت، بالدعاية لموقف سياسى أو قضية معينة أو الكشف عن ظلم واضطهاد لبعض الفئات من فئات أخرى فى إحدى الدول أو سيادة حكم ديكتاتورى فى دولة معينة، أو إيقاظ حواس المجتمع الدولى لحل مشكلة ما، بمعنى آخر كان هناك دائماً هدف سياسى واضح ومعلن، الهدف من العمل هو الدعوة له، ولذا لم يكن قتل الأبرياء أو تعذيبهم هدفاً على الإطلاق، وإن حدث، فهو أمر عارض وفى أقل الحدود.

     أما الهدف الأساسى فهو نشر القضية، لذلك كان يقال دائماً (ارهب عدوك وانشر قضيتك) وكان الأمر لا يتعدى فرض قدر ضئيل ومحسوب من العنف الذى ينتج قدراً كبيراً من الخوف (فالإرهابيون بعبارة أخرى يطمعون فى أن يشاهدهم أكبر عدد من الناس، بأقل قدر ممكن من العنف) أما فى إرهاب الأعوام القليلة الماضية والارهاب الحالب فإن الصورة قد تغيرت، وصار الأمر كما لو كان يستهدف تحقيق خسائر بشرية ومادية ضخمة العدد، ليس فى داخل ميدان القتال حيث الكل مستعد، ولكن خارج الساحة وفى مواجهة رجال الأمن، وقد يصاب فيها بعض المدنيين الآمنين الذين لا يتوقعون شيئاً مما يحدث([11]).

     وقد وصفت بعض الحوادث التى جرت فى الأعوام الأخيرة بأنها قرصنة دولية([12])، كما رأينا فى حالة خطف السفينة (اكيلى لاورو) والتى جرت فى مصر عام 1985م، وسنرى أن ذلك ليس صحيحاً، إذ إن القرصان هدفه السلب والنهب فى حين أن حوادث الإرهاب استهدفت جميعاً أغراضاً سياسية، سواء أعلنت عنها بوضوح أو لم تعلن، فليس من الأهداف المعلومة لأية عملية من هذه العمليات التى ارتكبت فى أى مكان، السلب والنهب، أو تحقيق مغانم خاصة، إنما الواضح أن القائمين بهذه العمليات أصحاب قضية يدافعون عنها، ويبدو أنهم قد يئسوا من أن يقدم لهم المجتمع الدولى حلاً، لذا فبعض هذه العمليات قد تم فيها القتل والتخلص من بعض الأشخاص بدون أية مطالب أخرى.

     ويكشف ذلك كله عن الأهمية الكبيرة لدراسة ظاهرة الإرهاب على النطاق الدولى والإقليمي والمحلي، خاصة وأن الأهداف الأساسية للمجتمع الدولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تمثلت فى تحقيق السلم والأمن الدوليين، فضلاً عن تحقيق التعاون الدولى فى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية بقصد تحقيق الرفاهية للجنس البشرى([13])، ويهدد الإرهاب أهداف المجتمع الدولى من ناحية، كما أنه ينم عن قصور واضح فى وضع الوسائل ورسم السياسات التى تمكنه من الوصول إلى هذه الأهداف من ناحية أخرى.

     كذلك يلاحظ من يتتبع الدراسات الدولية خاصة فى الجانب القانونى- وجود قصور واضح فى تناول هذه الظاهرة، حتى أننا لم نجد مؤلفات قانونية دولية ذات شأن تهتم بدراسة الإرهاب أو حتى تضع تعريفاً قانونياً محدداً لـه، وتقتصر معظم هذه الدراسات على الإشارة إليه عند تحديد الأفعال التى لا يجوز منع تسليم المجرمين فيها، ربما كان ذلك لأن القانون الجنائى الدولى لا زال فى دور التكوين ولم يشهد البلورة الكاملة لـه حتى الآن. لذلك فإن دراسة الإرهاب كجريمة دولية من أهم المسائل الملحة فى الظروف الحالية لتقنين الجرائم الدولية ولمحاولة إيجاد محكمة جنائية دولية تختص بمحاكمة الإرهابيين.

     إننا ندعو الدول إلى تطبيق القانون والالتزام به فيما تقوم به من أعمال، ما دامت هذه الأعمال يحكمها القانون، واللجوء إلى الهيئات الدولية التى وكل المجتمع الدولى إليها مهمة تطبيق القانون. وكما ذكرت، فإن الدول الكبرى على وجه الخصوص تملك قدرة على دعم الأمم المتحدة، وعلى تمكينها من وضع الحلول المناسبة للمشكلات السياسية، وكذلك القانونية.

     وعليه فلو أدانت هيئة دولية إحدى الدول وأثبتت تورطها فى عمليات إرهابية، فيجب على المنظمة الدولية أن تعاقبها، وهى تملك فرض العقوبات التى طبقتها الولايات المتحدة الأمريكية على العراق وليبيا، كذلك لو ثبت أن إسرائيل، مارست أعمالاً إرهابية أو أتت أعمالاً تخالف النظام الدولى، فيجب إقرار مسئوليتها الدولية، وفرض الجزاءات عليها. ولو تم ذلك لأدى إلى إقرار النظام والشرعية فى العالم، لكن حينما تتصرف الدول بصورة منفردة فهى تعطى لبعضها البعض الحجة والسبب فى أن تقوم كل منها بما تراه مناسباً لتحقيق مصالحها، أو حتى أطماعها ونوازع حكامها، حسنة كانت هذه النوازع أم سيئة، لذا يحدونا الأسف ونحن نقول أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تقف ضد المحكمة الجنائية الدولية التى نجحت الدول في إقامتها بعد جهود كبيرة، وتسعى جاهدة إلى إخراج رجال قواتها المسلحة من الخضوع لهذه المحكمة، لأنها على يقين بأنها تخالف القانون الدولي وأن جنودها يخرقون أحكام الجرائم ضد السلام وضد الإنسانية لذا لا تريد لهذه المحكمة أن تمارس ولايتها.

وللأسف الشديد وبعد الثورات التي انطلقت في عديد من الدول العربية والتداعيات المصاحبة لها فقد بات من المعلوم أنّ بعض دولنا أمست تعاني من بعض صور التطرف والتكفير العشوائي والجماعي والإرهاب الّذي لا مستند له ولا معنى، والذي ندعو الله أن يجمع بلادنا على كلمة سواء ويجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.

 

القسم الثاني: موقف الإسلام من التطرف والإرهاب والتكفير

الحدود والتعازير في الشريعة :

     عالجنا في القسم الأول الإرهاب كجريمة دولية تمثل اعتداء بشعاً على الأرواح أو الأموال أو كلاهما معاً مع وصف جنائي خاص هو بث الخوف والرعب في نفوس الحكام أو فئة كبيرة من الناس، ودرسنا العلاقة بين التطرف والتكفير والإرهاب، وهنا نبين موقف الإسلام من هذه الجريمة.

   والواقع أن الفقه الإسلامي التقليدي لم يستخدم مصطلح الإرهاب للدلالة على هذه الأفعال، وإنما استخدم مصطلحاً آخر يتطابق مع فكرة العدوان على الأرواح والأموال مع قصد بث الرعب والتخويف في الناس، إنه مصطلح الحرابة.

والحرابة حد من الحدود. ومعلوم أن الحدود تطلق على أشد الجرائم بشاعة والتى ترتكب على الجماعة الإسلامية بشكل عام، حيث ميز الفقه الإسلامي التقليدي بين الحدود، وهي الجرائم المقرر لها عقوبة محددة في الشرع، وباقي الجرائم التى لم يحدد لها الشرع عقوبة محددة، وترك لولى الأمر أو للقاضي أن يحدد العقوبة المناسبة لها، على أساس تقرير العقوبة باختيار ما يتناسب منهما مع ظروف كل منهم وما يمكن أن يؤدى إلى تحقيق غرض العقوبة معه وهو القصاص من ناحية والردع والزجر من ناحية أخرى.

     ولسنا الآن في معرض بيان تفاصيل الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي فلهذا موضعه في كتب الفقه([14]).

   تعريف مجمع الفقه الإسلامي للإرهاب :

     ومع ذلك فإن الفقه الإسلامي فقه متجدد دائماً، وقد سعى من خلال أحد مجامعه? وهو مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة([15]) أن يقدم تعريفاً للإرهاب يتفق مع المدلول القانوني لهذه الجريمة البشعة، فقد عرفه بأنه "هو العدوان أو التخويف أو التهديد مادياً أو معنوياً الصادر من الدول أو الجماعات أو الأفراد، على الإنسان دينه أو نفسه أو عرضه أو ماله بغير حق، وبشتى صنوف الإفساد في الأرض وصوره".

   ويلاحظ في هذا التعريف :

1- أنه حدد الفاعل للجريمة بأنه الدول أو الجماعات أو الأفراد، وبذلك فإن الجريمة قد ترتكب من قِبل الدولة? –كما يحدث من إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني- فيغطى ذلك ما يعرف قانوناً بإرهاب الدولة إلى جانب شموله أيضاً للجماعات الإرهابية في إشارة واضحة للجريمة المنظمة وللجانب الدولي الغالب عليها الآن، إلى جانب شموله للأفراد العاديين، وهي صورة معروفة أيضاً للإرهاب.

2- أنه استخدم مصطلحاً إسلامياً في تحديده لمحل الإرهاب أو لمن تقع عليه الجريمة فذكر الضرورات الخمس وجعل الاعتداء على أي منها في القانون الدولي والقانون الجنائي الوضعي تقتصر على العدوان على الأرواح والأموال فقط، بل يشمل كذلك العدوان على الدين، أو العرض، فضلاً عن الروح والممتلكات.

3- أنه ينبه إلى ضرورة أن يكون العدوان قد صدر بدون حق يميز بين الإرهاب وبين صور الدفاع الشرعي أو الكفاح لتحرير الأراضي أو ممارسة حق تقرير المصير.

4- أيضاً لم يكتف التعريف بتجريم العدوان بل سوى بينه وبين التهديد والتخويف وهكذا يجرم هذا التعريف التهديد المادي أو المعنوي بإراقة الدماء أو العدوان على الممتلكات أو الأعراض.

وواضح تأثر هذا التعريف بإدانة الإسلام للحرابة حيث ذكر أن العدوان أو التهديد أو التخويف بشتى صنوف الإفساد في الأرض وصوره، فالإرهاب وفقاً لهذا التعريف عدوان أو تهديد بعدوان على أعز ما يحرص عليه الإنسان أو الجماعة من روح أو مال أو دين أو عرض، بدون حق، وهو من ثم من الجرائم البشعة التى أدانها الإسلام.

     ويحدونا ذلك إلى بحث ما إذا كان الإرهاب يعد وفقاً لهذا التعريف من صور الحرابة أم أنه جريمة جديدة.

     والواقع أن مجمع الفقه لم يجب على هذا السؤال: لذا فإن الإجابة تستدعى معرفة أركان جريمة الحرابة ومدى جريمة الإرهاب معها، وهو ما سنبينه فيما بعد.

   والواقع أن مثل هذا الاجتهاد يجب تشجيعه ويجب أن تعمل به الدراسات التى تعرضها كتب الفقه والتى تقتصر حتى الآن على عرض ما كتبه فقهاء مذهب معين إذا كانت الدراسة تتم في إطار الفقه المذهبي أو مقارنة بين المذاهب إذا كانت الدراسة تتم في إطار دراسات الفقه المقارن.

 

تعريف الحرابة :

     قلنا إن فقهاء المذاهب الإسلامية وإن لم يتعرضوا على وجه التحديد لمصطلح الإرهاب ولم يخصوه بدراسة مستقلة في كتب المذاهب الإسلامية، وذلك لحداثة هذا المصطلح، إلا أن جريمة الحرابة في الفقه الإسلامي تحتوى على المفاهيم المعروفة لجرائم الإرهاب، ومن هنا فإننا سنقدم جملة من تعريفات الفقهاء للحرابة ليتضح أنها تشمل في علاجها هذه الجريمة وزيادة، ومن هذه التعريفات:

- الحرابة أو قطع الطريق هي: البروز لأخذ مال أو لقتل، أو إرعاب مكابرة اعتماداً على الشوكة مع البعد عن الغوث([16]).

- الحرابة هي: إشهار السلاح وقطع السبيل خارج المصر([17]).

- الحرابة هي: البروز لأخذ مال أو قتل أو إرعاب([18]).

- الحرابة: قطع الطريق لمنع سلوك، أو أخذ مال مسلم أو غيره على وجه يتعذر معه الغوث([19]).

- المحارب أو قاطع الطريق هو: من يعترض الناس بالسلاح في الطرقات ونحوها ليغتصب المال مجاهرة من الأعذب والتركمان والأكراد والفلاحين وفرق الجند أو مردة الحاضرة أو غيرهم([20]).

     ولا يخفي أن صور الإرهاب ومفهومه في القانون الدولي العام، بل والقانون الداخلي أيضاً لا يتجاوز هذه المعاني الواردة في تعريفات الفقهاء لجريمة الحرابة أو قطع الطريق، وأن أفعال المحاربين تستغرق كل أفعال الإرهابيين وبالتالي فإننا نعد الإرهاب صورة من صور الحرابة في الفقه الإسلامي.

     والواقع أن الآية الكريمة التى تحدثت عن الحرابة ذكرت (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائة: 33) فهنا ربطت بين الفساد في الأرض والاعتداء على حق لله ولرسوله. فبينت أن محل الحق يجب أن يكون مصلحة عامة للجماعة، وأن يرتبط بقصد خاص هو إرهاب الناس وتخويفهم ومن هنا تتمشى الحرابة مع فكرة الإرهاب بشكل عام.

 

 

الإسلام ونبذه للعنف والتطرف والإرهاب

       لقد حاول أعداء الإسلام في الآونة الأخيرة الربط الوثيق بين الإسلام والإرهاب، وإلصاق هذه التهمة بكل ما هو إسلامي([21])، حتى يبدو الإسلام في هذه الصورة الوحشية الغاشمة والتي تبرر لهم فيما بعد ضربه والإطاحة به والوقوف في سبيل مده والدعوة إليه، ومن يتأمل الإسلام يوقن بأن هذه التهمة من أشد التهم ظلماً وقسوة لرسالة الإسلام ذاتها، وأن هذه التهمة المفتراه يناقضها نصوص الإسلام الكثيرة والواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، بل وحياة الخلفاء الراشدين وتاريخ الأمة الإسلامية الزاهرة، في هذه الناحية، وهذا ما نعرضه بشيء من التفصيل :

     فأولاً نجد القرآن الكريم يوضح بجلاء اعتراف الإسلام بالآخر وحرصه على التعرف عليه والتعاون معه يقول سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات : 13)

       كما يقول تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة : 8)

       ويحدد الله سبحانه لسيدنا موسى وهارون أسلوب التعامل مع فرعون وهو أسلوب اللين والرحمة، فيقول: (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي . اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى . فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)( طه: 42 -44).

       ويركز سبحانه وتعالى على بيان نفس الأسلوب ونفس الطريق في الدعوة إلى الله عز وجل حتى وإن كان المدعو هو ألد أعداء الله سبحانه، ويحدد الله لرسوله محمد (صلى الله عليه وسلم) طريق الدعوة فيقول: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)( آل عمران: 159).

       ويوضح ذلك كله في أمر عام لكل دعاة هذه الأمة الإسلامية بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيقول: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)( النحل: 125).

   ثانياً ورد في السنة النبوية المطهرة أيضاً الكثير من الأحاديث التي تبين طريق الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وأن هذا الطريق لا يلتقي والإرهاب على وجه الإطلاق، ومن هذه الأحاديث :

- قوله صلى الله عليه وسلم:" إن الله يحب الرفق في الأمر كله "([22]).

- قوله صلى الله عليه وسلم:" إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، ولا يعطي على سواه "([23]).

- قوله صلى الله عليه وسلم:" وجبت محبة الله على من أغُضب فحلم "([24]).

- قوله صلى الله عليه وسلم:" إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه "([25]).

       وثالثاَ تبين هذه الحقائق مشروعية الجهاد في الإسلام، ففي وقت الحروب يراعى الإسلام كل الفضائل والأخلاق الإسلامية والإنسانية الرائعة، وإن تحرر العدو من كل هذه القيود، ومن هذه الشريعة الغراء في أوقات الحروب والجهاد، ما كان يأمر به النبي أصحابه وأفراد جيشه حينما كان يقول لهم: "تألفوا الناس، وتأنوا بهم، ولا تغيروا عليهم حتى تدعوهم، فما على الأرض من أهل مدر أو وبر، إلا أن تأتوني بهم مسلمين أحب من أن تأتوني بأبنائهم ونسائهم وتقتلوا رجالهم..".

       وفي ذلك يقول أيضاً "انطلقوا باسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله، ولا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً صغيراً، ولا امرأة ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين" ومن وصاياه إلى جيوشه أيضاً: "أخرجوا باسم الله تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع".

       ويسير على النهج الكريم أصحابه رضوان الله عليهم وعلى رأسهم الصديق أبو بكر رضوان الله عليه فيوصي هو الآخر قائد جيشه قائلاً: "إنك ستجد قوماً قد فحصوا أوساط رؤوسهم من الشعر، وتركوا منها مثال أمثال العصائب، فاخرجوا ما فحصوا بالسيف، وإني موصيك بعشر: "لا تقتلن امرأة ولا صبياً، ولا كبيراً هرماً، ولا تقطعن شجراً مثمراً، ولا نخلا ولا تحرقنها، ولا تخربن عامراً، ولا تقرعن من شاة، ولا بقره إلا لمأكلة، ولا تجبن ولا تغلل"([26]).

   ومن يتأمل التاريخ الإسلامي أيضاً يشعر بسماحة الإسلام وعظمته حتى في التعامل مع أعدائه، وأن غير المسلمين كانوا أكثر أمناً وأماناً في ظل الإسلام أكثر من غيره، ويروى في ذلك ما جاء في فتوح البلدان([27])، " من أن معاوية حاصر قيسارية حتى يئس من فتحها ? وكان سبب فتحها في النهاية، أن يهودياً يقال لـه "يوسف" أتى المسلمين ليلاً فدلهم على طريق رسب فيه الماء إلى حقو الرجل ? على أن أمنوه وأهله ? وأنفذ معاوية ذلك، ودخلها المسلمون وكبروا فيها، فأراد الروم أن يهربوا من السرب فوجدوا المسلمين عليه، وفتح المسلمون الباب فدخل معاوية ومن معه، ولعل في فعل هذا اليهودي دلالة ناطقة بترحيبه بالإسلام لا بإكراهه أو إرهابه.

   وأن من أروع وقائع التاريخ الإسلامي أيضاً ما روى من أن الروم صالحت معاوية على أن يؤدوا إليه مالاً، وأرتهن معاوية منهم هناء، فوضعهم ببعلبك، ثم إن الروم غدرت، فلم يستحل معاوية والمسلمين قتل من في أيديهم من رهنهم، وخلوا سبيلهم، وقالوا وفاء بغدر خير من غدر بغدر([28]).

   ومما تقدم يتبين أن الإسلام ينبذ العنف والإرهاب، ولا يجعله طريقاً في الدعوة إليه، أو في إدخال الناس فيه، وإنما يقوم الإسلام على حرية العقيدة، وغيرها من ألوان الحريات العظيمة، ليس ذلك فقط، بل ويتصدى للإرهاب بطريق جذري وحاسم، ويعاقب عليه عقاباً شديداً.

 

 

الخاتمة

   ومما سبق يتبين لنا بجلاء أن الفقه الإسلامي قديماً وحديثاً قد وضع أحكاماً تنظم جرائم الإرهاب باعتبارها أشد الجرائم قسوة وأخطرها على أمن الجماعة المسلمة. وفرض لها أشد أنواع العقوبات، أخذاً من الآيات القرآنية العديدة التى عصمت النفس الإنسانية من كل صور الاعتداء عليها. وألزمت الجماعة المسلمة وولى الأمر أن يحميها، لقد اعتبر القرآن الكريم جريمة القتل والعدوان اعتداء على المجتمع بكامله (..أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا..) (المائدة: 32) ومع ذلك فالإسلام ? كما أوضحنا ? يأمرنا بالتعامل برفق ولين مع الغير، كما يأمرنا بأن نعاملهم معاملة حسنة بلين ورفق وعدالة، فهو ليس ديناً عدوانياً، يسمح بالقتل والتعدى والتدمير، وهو في نفس الوقت لا يتهاون على الإطلاق مع من يعتدون على الأرواح والممتلكات ويروعون المجتمع، بل يفرض أشد أنواع العقوبات عليهم ومنها إبعادهم عن المجتمع بالنفي، ومنها قتلهم إن كانوا قد كانوا قتلوا الناس.

نسأل الله العظيم أن ينجي مصرنا الحبيبة من شر الفتن والإرهاب، وأن يجمع أبناء الوطن على كلمة سواء، وصدق الله القائل: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الآنفال: 63)، وقال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران: 103).

وبالله تعالى التوفيق

([1]) أعلن الرئيس الأمريكى (ريجان) فى مؤتمر صحفى عقده فى عام 1985م: أن العالم قد شهد فى عام 1985 ستمائة وسبعون عملاً إرهابياً، تعرضت الولايات المتحدة الأمريكية وحدها لمائتى عمل منها، كما أعلن أن ليبيا تقوم بتنظيم الإرهاب وتصدره إلى الخارج وإلى الولايات الأمريكية بوجه خاص. وأشار بهذا الصدد إلى عمليات تصفية المعارضين للقذافى وذكر أسماء من استهدفوا للعمليات. راجع الأهرام يوم الجمعة 10/1/1986م.

([2]) ذكر التقرير السنوى الذى تصدره الولايات المتحدة عن الإرهاب، أن عام 1992 م شهد (361) عملية إرهابية، مقابل (576) عملية عام 1991م، وألمح إلى احتمال تورط إيران فى حادث تفجير مبنى السفارة الإسرائيلية فى الأرجنتين عام 1992م. وأعرب التقرير عن مخاوفه إزاء تنامى العلاقات بين إيران والسودان. كما أشار إلى مواصلة حكومة السودان تعاونها مع الجماعات الإرهابية مثل: (منظمة أبو نضال وحركة حماس، والجهاد الإسلامى الفلسطينية)، وأورد التقرير أسماء (41) منظمة إرهابية مع وصف لها وحجم قوتها ومصادر تمويلها وذكر أن معظمها يتركز فى الشرق الأوسط. الأهرام الأحد 2 مايو 1993م.

([3]) ظاهرة التطرف الأسباب والعلاج –المحامي منتصر الزيات من موقع الكاتب نفسه http://www.alzayat.com

([4]) وأننا لنعتقد أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م التي أرقت وزلزلت الولايات المتحدة الأمريكية تدل على أن الأحداث الإرهابية تستطيع أن تطول كل مكان، وأن تصل بخطرها إلى أي أحد، فلقد ضربت هذه الأحداث أكبر الأماكن خطورة وأعظمها حساسية، ومنها مركز التجارة العالمي الذي يتكون من برجين كبيرين، وبهما مئات الشركات والمراكز التجارية، كما ضرب أيضاً البنتاجون "وزارة الدفاع الأمريكية" وتحطم جزء كبير منه، ووقف العالم أجمع أمام هذه الأحداث المروعة مشدوهاً، وكان أهم ما ترتب على هذا الحدث هو التساؤل عمن قام به بهذه الدقة وبهذه القدرة التقنية ودقة التصويب والمفاجأة بأربع ضربات متتالية، وبصرف النظر عن من قام بهذه الأعمال، إلا أن خطورتها كانت بالغة، ودلالتها يقينية أن الإرهاب تمكن أن يطول كل بقاع العالم.

يراجع المؤلف: التداعيات الدولية لأحداث 11 سبتمبر 2001م وتداعياتها الدولية رؤية إسلامية، سلسلة فكر المواجهة رقم 1 صـ7 ، 8.

([5]) إذا كان إرهاب الثمانينات قد وجه ضد أهداف متعددة إلا أنه اختار وسائل النقل الجوى المتطورة كأداة صب عليها جام غضبه، ومع ذلك فِإن أسلوب خطف الدبلوماسيين وأخذهم رهائن قد استخدم، كذلك أسلوب السيارات الملغومة التى توجه لهدف ما، ونسف سيارات النقل العام والسيارات الخاصة .. إلخ، والواقع أن توجيه الإرهاب إلى وسائل النقل الجوى هدد تلك الوسائل التى أسبغت نعمه على الإنسانية، ومكنتها من اجتياز آلاف الأميال فى سهولة ويسر، والتى تنقل يومياً ما يقدر عدده بحوالى مليون شخص، إنها المرافق العامة فى النظام الدولى بلا أدنى شك، جعلها الإرهاب للأسف تتعرض بسبب هذه العمليات إلى محنة كبرى وهدد حركة الانتقال والاتصال بين البشر، بالتوقف وأضيرت الإنسانية. والواقع أن اختيار هذه الوسائل لممارسة عمليات الإرهاب من خلالها، أمر يلقى مزيداً من الخوف فى نفس الركاب، الذين يكونون معلقين بين السماء والأرض مما يجعل تأثير الإرهاب بشعاً، يشمل الأنفس ويمتد الخوف إلى وقت طويل يشعر فيه الراكب بالرعب مما يهدد حركة النقل الجوى، ويجعلها محفوفة بالمخاطر.

([6]) ومن هذه الأحداث المتكررة والصورة المختلفة تستطيع أن تصل إلى أن الأعمال الإرهابية يمكن أن تتركز في ثلاث صور: الصورة الأولى: اختطاف الطائرات وباتت هذه الوسيلة من أخطر وسائل الإرهابيين لبث الذعر ونشر الرعب بين الدول وذلك لأن الطائرات تعد أهم مرافق النقل الجوي، والمساس بها يترتب عليه خطورة متعددة الجوانب حيث تتعرض الطائرة نفسها للضياع، ويتعرض للخطر أيضاً حياة الركاب وأطقم القيادة والخدمة، ولقد اتجهت الدول إلى مكافحة هذه الصورة الإرهابية بالتوقيع على بعض الاتفاقيات الدولية بناء على مبادرات وتوصيات من منظمة الطيران المدني ومن أهم هذه الاتفاقيات: اتفاقية قمع الاستيلاء غير القانوني على الطائرات والموقعة في لاهاي 16 ديسمبر 1970م، واتفاقية قمع جرائم الاعتداء على سلامة الطيران المدني الموقعة في مونتريال بتاريخ 23 سبتمبر 1971م، والصورة الثانية: اختطاف الأفراد وأخذ الرهائن، وتتضمن هذه الصورة من الإرهاب سلب الأفراد حريتهم، والاحتفاظ بهم في مكان رهين يخضع لسيطرة الإرهابيين ورقابتهم وذلك بقصد الوصول إلى أهداف معينة، وإزاء هذه الصورة أيضاً تم وضع كثيرة من الاتفاقيات الدولية لمعالجتها ومن هذه الاتفاقيات: الاتفاقية الدولية لمناهضة أخذ الرهائن لعام 1979م، واتفاقية نيويورك الخاصة بمنع الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص المتمتعين بحماية دولية بما في ذلك الموظفون الدبلوماسيون والمعاقبة عليها عام 1973م.

والصورة الثالثة: إلقاء القنابل والمتفجرات: وهذه من أقدم وسائل الإرهاب وأكثرها انتشاراً وذيوعاً، والذي ساعد على ذلك هو أن هذه الوسيلة أكثر الوسائل سهولة سواء في استخدامها أو في طريقة الحصول على المتفجرات، بالسرقة أو بالإنتاج، وإزاء هذه الصورة الخطيرة أيضاً نجد أن ? القنابل أو إلقاء المتفجرات وغير ذلك من الأعمال المجرمة في معظم القوانين الوطنية داخل الدول، وقد رصدت هذه القوانين لمرتكبيها أشد العقوبات، هذا قبل أحداث 11 سبتمبر التى غيرت كثيراً من وسائل التعاون الدولي لقمع الإرهاب.

([7]) ويمكن تحديد مفهوم "إرهاب الدولة" على وجه الدقة بأنه: ما تقوم به الدولة في الداخل من خلال مجموعة الأعمال والسياسات الحكومية التي تستهدف نشر الرعب بين المواطنين لإخضاعهم لرغبات ومطالب الحكومة، أو ما تقوم به الحكومة في الخارج أيضاً لتحقيق بعض الأهداف التي لا تستطيع الدولة تحقيقها بوسائل مشروعة. وإذا كان البعض يطلق على هذا النوع من الإرهاب إرهاب الدولة State terrorism فإن البعض الأخر يطلق عليه مصطلح الإرهاب من أعلى، أو إرهاب نظام الحكم الشمولى غير الديموقراطي أو الإرهاب الأحمر، وأبرز مثل لهذا النوع من الإرهاب هو ما تقوم إسرائيل به على الأراضي الفلسطينية.

 

([8]) أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية كتاباً أبيض حول دور العقيد القذافى فى تشجيع الإرهاب، وأظهرت أن أهدافه هى تعزيز أطماعه السياسية فى العالم العربى وأفريقيا والعالم الثالث بشكل عام، كما أوضح الكتاب أن الإرهاب استهدف اغتيال رؤساء دول فى المنطقة، وتنفيذ عمليات فى مختلف أنحاء العالم، وفى الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها.

([9]) راجع: أحمد عزالدين ، الإرهاب والعنف السياسى، كتاب الشعب 1985م، ص 15 وما بعدها.

([10]) وفي هذه الحالة يمكن أن تتحول المواجهات بين قوات الشرطة والإرهابيين إلى أعمال ثأر، وتقوم قوات الشرطة بتوجيه الرصاص إلى هؤلاء الأفراد ثأراً لأنفسهم خارج حدود الدفاع الشرعي وتحقيق الأمن للمواطنين، ولا شك أن كلا من الثأر وأخذ الحق من المعتدى عليه بيد السلطة الشرعية أمور اتفقت الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية الحديثة على تجريمها وتحريمها.

([11]) وليس أدل على ذلك من الأثار الواضحة التي خلفتها أحداث 11 سبتمبر 2001م، فلقد تم ضرب مركز التجارة العالمي، هذا المركز الذي يتكون من برجين كبيرين ويصل كل برج إلى مائة وعشر طابقا وبه مئات الشركات والمراكز التجارية وحيث إن هذه الهجمات الإرهابية قد قضت على هذين البرجين تماماً فإنه لا يعلم أحد على وجه الدقة ? إلا الله ? عدد الأرواح التي أزهقت، والدماء التي أريقت والخسائر التي تحققت من جراء هذا الحدث الجلل، وإن كانت الإحصائيات قد أثارت إلى موت ما يقرب من ستة آلاف شخص وإصابة عدة آلاف أخرى.

([12]) لقد حددت اتفاقية قانون البحار الجديد لعام 1982م في مادتها لرقم 101 مفهوم جريمة القرصنة، وفي ضوء هذا النص نستطيع أن نبين مفهوم هذه الجريمة، وهو أن الفعل لا يكون جريمة قرصنة إلا إذا توافر به هذه الشروط:

1- الأعمال الإجرامية وهي الأعمال غير القانونية التي تنطوي على استعمال العنف أو الحجز أو النهب والذي يقوم بها طاقم السفينة أو ركابها ضد سفينة أخرى أو ضد الأشخاص أو الأموال في السفينة ذاتها، ويسرى نفس الحكم بالنسبة للطائرات.

2- أن يتم هذا العمل في البحار العالمية، لأنه إذا تم في البحار التي تخضع لسيادة الدولة المشاطئة أو لرقابتها، فإن هذه الدولة هي التي تختص بالضبط والمحاكمة.

3- أن يتم تقصير بقصد غنم شخص أو أغراض خاصة، يقصد بذلك استبعاد طائفة الأعمال التي تتم لأغراض أخرى، ومنها الأغراض السياسية.

4- أن ترتكب هذا الفعل سفينة خاصة أو طائرة خاصة، ولكن ليس معني ذلك إخراج أعمال القرصنة التي ترتكبها السفن الحربية أو العامة، فلقد اعتبرت الاتفاقية أن أعمال القرصنة التي حددتها المادة 101 منها إذا ما ارتكبت بواسطة سفينة حربية أو سفينة حكومية تمرد طاقمها وتحكم في السيطرة عليها فإنها تعد كما لو كانت صادرة من سفينة خاصة.

يراجع للمؤلف: مبادئ القانون الدولي العام، ط الخامسة 1996ن، 1417هـ صـ568.

([13]) وهذه هي الأهداف التي برزت بوضوح في ميثاق الأمم المتحدة وبصفة خاصة المادة الأولى منه، حيث تضمنت هذه المادة أن الأمم المتحدة تهدف إلى حفظ السلم والأمن الدوليين، وإنماء العلاقات الودية بين الدول، وتحقيق التعاون الدولي لحل المسائل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية، هذا بالإضافة إلى جعل الأمم المتحدة مركزاً لتنسيق أعمال الدول، وللتقريب بين مصالحها وتحقيق أهدافها المشتركة، ولا يعني هذا أن الأمم المتحدة دولة فوق الدول تسيطر على أعمال الدول وتصرفاتها، وإنما يعني فقط أن هذه المنظمة مجرد أداة للتنسيق بين الدول بهدف تحقيق التعاون فيما بينها تجنباً لوقوع الخلافات والصدامات.

 

([14]) راجع: عبد القادر عوده، التشريع الجنائي الإسلامي والشرح الموسع له من خلال موسوعة التشريع الجنائي الإسلامي والذي يشرف على إصدارها أ.د. توفيق الشوي، دار الشروق طبعة 2001، وراجع لأستاذنا الشيخ محمد أبو زهرة، الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي.

([15]) يتبع هذا المجمع رابطة العالم الإسلامي، وهو يختلف عن مجمع الفقه الإسلامي العالمي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي والذي يتخذ من مدينة جدة مقراً له.

([16]) مغنى المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، شرح الشيخ محمد الخطيب الشربيني على متن منهاج الطالببين للنووي، دار الفكر، ط 4، صـ180.

([17]) بداية المجتهد ونهاية المقتصد، الإمام محمد بن رشد القرطبي، دار المعرفة، بيروت، لبنان، ط. السادسة، 1403هـ - 1983م صـ2، صـ455.

([18]) قليوبي عميرة على شرح العلاقة جلال الدين المحلي على منهاج الطالبين للنووي، دار إحياء الكتب العربية، وعيسي البابي الحلبي وشركاه، صـ4، صـ198..

([19]) مختصر الشيخ خليل، صححه وعلق عليه الشيخ طاهر أحمد الزاوي، دار إحياء الكتب العربية، عيسي الباب الحلبي وشركاه صـ331.

([20]) السياسة الشرعية في إصلاح الراعى والرعية لابن تيمية تحقيق محمد إبراهيم البنا، محمد أحمد عاشور، صـ23.

([21]) لا شك أن هناك محاولة ربط مقصودة بين الإسلام والإرهاب، وقد بلغ الطعن أحياناً للأمة الإسلامية حد التشكيك في حضارة الأمة الإسلامية ومقوماتها الثقافية والحضارية، حتى إن بعضهم تجرأ على هذه الأمة بوصفها بأنها أمة بلا ثقافة ولا حضارة عريقة، مع أنه لا يستطيع أحد أن يتجرأ على هذا القول أمام حضارة امتدت آلاف السنين، إلا إذا ساءت النوايا وفسدت الضمائر واختلت الموازين.

([22]) رواه البخاري ومسلم.

([23]) رواه مسلم.

([24]) رواه الاصبهاني.

([25]) رواه مسلم

([26]) في تفصيلات واسعة حول شريعة الإسلام في الجهاد والعلاقات الدولية الحربية يراجع للمؤلف، أحكام الحرب والحياد في ضوء القانون الدولي والشريعة الإسلامية، سلسلة فكر المواجهة رقم 7، تصدرها رابطة الجامعات الإسلامية، صـ 183، وما بعدها. و7 أيضاً من الإسلام .. وحقوق الإنسان، سلسلة فكر المواجهة، رقم 4 صـ95 وما بعدها.

([27]) فتوح البلدان: البلاذري، تحقيق صلاح الدين المنجد،، مكتبة النهضة العربية القاهرة، النسخة الأولى، صـ167، 168.

([28]) فتوح البلدان، البلاذي، النسخة الأولى، صـ188.

ارسال نظر