الدكتور عباس خامه يار | المستضعفون في الأرض: كلنا سليمانيّون
الوجوم المتجسّد منذ عامٍ في الوجوه والعيون، في قلوب محبّي الشهيد قاسم سليماني، يجمع بين مشاعر الغضب والرغبة بالثأر والصّبر والاحتساب والرّضى بقضاء الله ولطفه بارتقاء هذا البطلَ الأمميّ شهيداً تفخرُ به البلاد. هذه العاطفة الحسينية في حماستِها وحّدت صفوف الإيرانيين بل كلّ أحرار العالم الرافضين للذلّ والهوان والاستعباد.
لقد صار خاتمُ سليماني اليوم محوراً تتبرّك به البلاد بكامل شعبها، تماماً مثلما تبرّك هو بخاتم العقيق الذي بارح إصبعه. اليوم، ماذا تعني عبارة "كلنا سليمانيّون!"
هذا التمثال الذي رُفِعَ في قلب الضاحية الجنوبية اليوم، في بيروت الأبيّة، يجعلنا نسمعُ صوتَ أحرار بلاد المقاومة وهم يهتفون: "سليمانُ منّا!".
إنّ قاسم سليماني الشهيد كان أخطر بتأثيره من قاسم سليماني الحيّ. ذلك أنّه جمع بين البُعد العسكري الجهادي والديبلوماسي والمعنوي والإنساني. نجد أنّ الشهيد قاسم سليماني الذي يرتدي سترة القتال وخوذة الحرب، هو نفسه ذاك الإنسان الذي يوصل الدواء والمواد الطبيّة والتجهيزات إلى بلاده المحاصرة اقتصادياً، وهو نفسه الذي يبكي أمام اليتامى ويسيرُ حافيَ القدمين في المسيرات العاشورائية في كلّ عام.
التواضع والزهد عن الدنيا وما فيها من أضواء وشهرةٍ وتمجيد، كانت تلك خصاله التي خلّدت مسيرته الجهادية والعرفانية في آن. هو الذي يتساءل أمام الجنود إن كان مثالاً للرجل الصالح وإن كانوا سيشهدون له عند وفاته بأنّه إنسانٌ صادق العهد، ثم يوصي زوجته بألاّ يُكتبَ على قبره سوى كلمة "جندي".
عشقه الخالص لله تعالى أوصله إلى الشهادة. هذا العشق الذي يختلف عن المتعلّقات الدنيوية من مالٍ وولدٍ وجاه. هذا الحبّ الإلهي الذي تدمع عيناه كلّما تحدّث عنه متمنّياً الشهادة واللّحاق برفاقه في درب الجهاد.
لقد كان الشهيد سليماني رقيق القلبِ رحيماً حتى مع الأعداء، يلجأ إلى الحوار والحديث معهم قبل اللّجوء إلى المواجهة العسكرية.
هذه الشخصية العاطفية المعنويّة هي مصداق "أشدّاءُ على الكفّار رحماءُ فيما بينهم".
اليوم، القائد سليماني هو البطل الأمميّ الذي دافع عن الأعراض. يعتبره النساء والأطفال أباً لهم، ويتّخذه المجاهدون مثلاً يُحتذى به يجسّد عناوين البطولة والشجاعة والحماسة. هو اليوم قائد القلوب، ومدرسة سليماني هي القدوة التي يحتاج إليها الشباب المقاوم في درب الجهاد. إنها القوة النّاعمة والجهاد الإيماني.
إنّ شهادة سليماني وأبو مهدي المهندس ورفاقهما ليست نهايةَ المسيرة، بل هي منعطفٌ تاريخيٌّ حاسمٌ يفصلُ بين مرحلتين، لا تتشابهان في الأحداث مطلقاً، والشاهد على ذلك هو ما يحصل اليوم في بلاد الاستكبار من تخبّطٍ وفضائح.
هؤلاء الذين أّذلّهم سليماني في المنطقة وأحبط مخطّطاتهم التقسيميّة، كانوا بالأمس يحتفلون بمقتل شهيدنا مدّعين أنّ العالم سيكون أكثر أمناً اليوم.
لكنّ يد الله فوق أيديهم، وها هو التاريخ يكشف لنا كيف بدأ السّحر ينقلبُ على السّاحر.
يجدّد المستضعفون في الأرض اليوم عهدَهم مع الشهيد ويهتفون: كلّنا سليماني.. كلّنا سليمانيّون!