التوعية الثقافية الحقيقية في طليعة مهام علماء الاسلام

التوعية الثقافية الحقيقية في طليعة مهام علماء الاسلام
التوعية الثقافية الحقيقية في طليعة مهام علماء الاسلام

في معرض رده على سؤال عن ابرز التحديات التي تواجه العالم الاسلامي و سبل التعاطي معها ، يقول الشيخ الدكتور الحلباوي : التحدي الاكبر الذي واجه الاسلام على مر التاريخ  يتمثل بالمحافظة على نقاء الاسلام و ابعاد الاسلام عن ألوان التشويه و التحريف و التزييف التي تتربص به . و في هذا الصدد نستطيع القول أن جهود الائمة من أهل البيت (عليهم السلام) الذين تلقوا علومهم  من رسول الله (ص) كانت تنصب بالحفاظ على الاسلام لئلا تناله يد التشويه و التحريف . و من المؤسف أننا وقعنا اليوم فيما كنا نحذر و الذي شوه صورة الاسلام و قدمه بصورة بشعة مفرغة من كل المضامين و القيم ينفر منها الناس و ينظر اليها الكثيرون نظظرة شك و ريبة .

و يمضي سماحته بالقول : التحدي الآخر هو الحفاظ على المجتمع الاسلامي موحداً ، و أن يحفظ لهذه الامة وحدتها في الرؤية الكبرى ، و وحدتها في الاستراتيجية التي تسلكها ، و وحدتها في المواقف ازاء ما يواجهها من اخطار . أما التحدي الثالث فهو مواكبة الاسلام لمقتضيات العصر ، و تقديمه الى الشباب في هذا العصر الذي تطور كل شيء فيه بما في ذلك ثورة الاتصالات . و عليه فأن هذه التحديات تعتبر في تصوري تحديات اساسية و في عمق الصراع بين الاسلام و من يريدون القضاء عليه . و هذا يعني أننا لو حافظنا على نقاء الاسلام ، و على وحدة الاممة الاسلامية ، و كذلك حافظنا على طرح و تناغم رؤيتنا الى الاسلام مع مقتضيات العصر ، كان بوسعنا تحصين شبابنا من التأثر بكل ما يهدد ايمانهم و معتقداتهم .

و في ضوء كل ذلك ، سألنا الدكتور الحلباوي عن انطباعه ازاء رسالة سماحة القائد الامام الخامنئي الى الشباب في الغرب و مدى اهميتها و جدواها في ظل الظروف الراهنة ؟  فأوضح سماحته : ما استطيع قوله هو أن الامام الخميني (رض) مؤسس الجمهورية الاسلامية في ايران ، كان يمتاز دائماً بأنه يسبق عصره ، و هكذا السيد القائد آية الله الخامنئي  - الخلف الصالح للامام الخميني -  يولنا و يستهدف شبابنا مضي دائماً الى الامام و يشد الآخرين للانطلاق معه . و من الواضح ان سماحته  يرى ان هذا الغرب الذي  يهاجمنا في فكرنا و في عقولنا و يستهدف شبابنا ، حري بنا أن نقوم تجاهه بالفعل و ليست ردة الفعل ، بأن نذهب اليه و نحاول التأثير على شبابه بصورة ايجابية ، و ليس تأثيراً سلبياص مثلما تفعل للأسف التيارات التكفيرية و الارهابية المتطرفة التي استطاعت ان تجذب بعض الشباب الغربي . و مما لا شك فيه ان الشباب في الغرب متعطش و تواق الى القيم و المعنويات و المعاني الدينية . فاذا قدمنا القيم و المفاهيم الدينية لهؤلاء الشباب بالطريقة اللائقة و المناسبة و الايجابية ، فان باستطاعتنا تحقيق الكثير في هذا المجال .

و يتابع سماحته : و لهذا ارى أن رسالة سماحة القائد جاءت في وقتها و في مكانها و بآفاقها ، و لا يخفى أنها الرسالة الثانية مما يشير الى أن سماحة القائد انتهج نهجاً يريد أن يتابعه لينفتح على كل اولئك الشباب لعلها تحقق اهدافها . و لكن المهم ايضاً هو أن نكون في خدمة هذه الرسالة و أن نتخذ منها خطوطاً عريضة للوصول الى اولئك الشباب .

 و حول رؤيته الى رسالة علماء الاسلام  في ظل الهجمة الشرسة التي تستهدف هوية الامة الاسلامية و كيانها ، يقول الشيخ الحلباوي : في الحديث الشريف ، إذا ظهرت الفتن على العالم أن يظهر علمه . و أن مشكلتنا تكمن في أن دورنا ياتي متأخراً دائماً بدلاً من ان يكون متقدماً و رائداً .. العالم يجب ان يكون رائداً ، يجب أن يكون قائداً ، يجب ان يكون متقدماً . يجب أن ينطلق للقيام بواجبه و تكليفه دون ان ينتظر اشارة من أحد ، دون ان ينتظر دعوة من أحد . لو ان علماءنا الكرام قاموا بأدوارهم كما ينبغي في بلدانهم و في مجتمعاتهم ، لكان بوسعنا تحقيق الكثير . و في ضوء ذلك تكتسب هذه المؤتمرات اهميتها في قدرتها على جمع هؤلاء العلماء لتتلاقى افكارهم و رؤاهم و يشجع بعضهم بعضاً ، و ليأخذ بعضهم من حرارة بعضهم ، و لا يخفى أن في ذلك خير كثير بإذن الله تعالى .

و سألنا الشيخ الدكتور الحلباوي عن  المسؤول عن استفحال المد التكفيري و انتشار العنف و الارهاب على صعيد المجتمعات الاسلامية و الغربية ايضضاً ، فأجاب موضحاً : أنا ارى ان القضية لها جذور ، و ان الجذر الاكبر لهذه القضية هو ان الغرب لم يقم بدور استعماري عسكري و اقتصادي و سياسي في منطقتنا ، و أن كل تلك الالوان من الاستعمار مكشوفة و قد قاومناها و استطعنا التحرر من أسرها الى حد بعيد . و لكن الدور الاخطر الذي قام به هو الدور الثقافي . و في هذا الصدد أنا اشير الى نبتة طبخت ذات يوم في مطابخ الغرب و التي تمثلت في الوهابية المنغلقة و المتشددة ، و كانت في الواقع أشبه بالشجرة الخبيثة التي أتت اكلها حيث انتجت أناساص ليس لهم شغل غير تكفير المسلمين و إثارة لاحقاد بين المسلمين و الحكم عليهم  بالشرك .

و يمضي سماحته بالقول : كان ينبغي التنبه منذ البداية الى هذه النبتة الخبيثة . و انا هنا استذكر جهود العلماء الرياديين  امثال العلامة السيد محسن الامين ، العالم الفذ و المصلح الكبير و المجدد العظيم . إذ ان هذا العالم الفاضل ألف في ذلك الوقت كتاب " كشف الارتياب في اتباع محمد بن عبد الوهاب " ، و جاء فيه بكلام دقيق و هام ، حتى أنه كشف جذوراً يهودية لتلك النبتة .

و يضيف : فلابد لنا في الواقع من التصدي للاخطار في العمق ، و ان نقوم بالدور الثقافي الحقيقي الذي يمثل اعظم رسالة للعلماء ، و عدم الانشغال بالادوار الهامشية .

و عن السبل الكفيلة بالحد من الخلافات المذهبية و التفرقة الطائفية في المجتمعات الاسلامية ، يرى الاستاذ الحلباوي : الخلافات المذهبية بما هي الوان من التنوع و الاختلاف ، أمر طبيعي يجب ان نتقبله و ان تتسع قلوبنا و عقولنا له . و لكن الخطير في المسألة هو أن نبني على الاختلاف خلافاً ، و ان يبنى على اساس هذا التنوع صراعاً ، و أن يتحول هذا الغنى الى لون من الفقر و الافتقار للاسلام و دوره في حياة الناس . فلن تكون هناك الى الابد رؤية واحدة للتوجهات الفقهية و الفكرية و العقائدية بين المسلمين .

 و يتابع سماحته : اذا قبلنا ذلك و استوعبناه و انطلقنا الى التركيز على المشتركات و ما اكثرها و اعظمها ، و جعلنا من هذه المشتركات خطاً عريضاً ننطلق فيه جميعاً بحب و تناغم و انفتاح ، ندعو الى الاسلام المشترك ، الاسلام الرحب ، الاسلام الواسع ، الاسلام الذي يسع البشرية جمعاء ، و يتسع لطموحاتها و تطلعاتها ،حينها  نستطيع ان نحقق ما نصبو اليه بإذن الله تعالى . 

و حول تقييمه لنشاطات المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية  في هذا المجال، و الى أي حد  نجحت في الحد من الاحتقان الطائفي ،  يوضح الشيخ الحلباوي :  في مقابل تلك النبتة التي أشرت لها ، كانت ثمة نبتة طيبة رعاها المرجع الديني السيد البروجردي و العديد من مشايخ علماء الازهر الشريف ، و التي عرفت يومها بدعوة " جماعة التقريب " ، التي لاقت قبولاً واسعاً و رائعاً من جموع المسلمين بمختلف مذاهبهم . و في ظل تلك الجماعة صدرت مجلة " رسسالة الاسلام " التي استمرت في الصدور لأكثر من عشرين سنة ، و ضمت ابحاث رصينة و قيمة و رائعة يتشاطرها العلماء الاجلاء .

و اضاف : حينما أريد لهذه النبتة أن تذوى في مصر ، تلقفتها ايران الاسلام  بجهود التقريبيين الكبار امثال الشيخ واعظ زاده خراساني ، و الشيخ محمد علي التسخيري و نظرائهم ، و انطلقت الى آفاق بعيدة ، و تواصل هذه المسيرة اليوم  تقدمها و انجازاتها في ظل توجيهات آية الله الشيخ محسن الاراكي . و باختصار يمكن القول بكل ثقة ، أن مجمع التقريب بين المذاهب الاسلامية يقوم اليوم بجهود قيمة تستحق الشكر و التقدير و تدعو للتفاؤل .

و أخيراً سألنا الشيخ الدكتور نبيل الحلباوي عن السبل الكفيلة ببلورة موقف اسلامي موحد  للحد من التطرف الديني بمختلف اشكاله ، فأجاب  موضحاً : أنا أرى أن ذلك بحاجة الى جرأة ، و الى اساليب تواصل لا تنقطع و لا تهدأ . و يجب ان لا نيأس حتى و لو لم يستجيبوا بادىء ذي بدء ، و لكن بالالحاح و التأثير و استثارة ما لديهم من ضمير و من وجدان و من احساس بالمسؤولية ، يجب أن نصل اليهم .و إلا فأن الوضع القائم على الارض لا يرضي محباً و لا حريصاً .. نحن كلنا في مركب واحد ، و كما حذر رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، لو حصل ثقب أو خلل في هذا المركب فسوف نغرق جميعاً . و لا يخفى أن هناك تيارات علمانية و الحادية و استعمارية و صهيونية  تتربص بنا ، فلابد ان نبادر الى ذلك بكل همة و نشاط و تضحية على هذا الصعيد .