ألمانيا : الإسلام في الإعلام الألماني

ألمانيا : الإسلام في الإعلام الألماني

وكالة الانباء الاسلامية
دارت ندوة تحت عنوان "الإسلام في الإعلام"، في برلين، وبسؤال كيف يقدم الاسلام في الاعلام الالماني؟، التي شارك فيها ممثلو الصحف الألمانية المختلفة، وكذلك النشطون في العمل الإسلامي بألمانيا، بالإضافة إلى الجمهور العام من الطلاب والمهنيين المهتمين بمثل هذه القضية.
أرتكزت الندوة بدايةً على تشخيص الإشكالية الكامنة والمتمثلة بين الإسلام والإعلام الألماني، ومن ثم البحث في الأسباب والجذور الحقيقية التي أدت إلى بروز مثل هذه الإشكالية. ثم تطرقت بعد ذلك إلى التفكير في إيجاد الحلول المُستقبلية والمناسبة للقضاء على تلك الإشكالية.
في أحيانٍ كثيرة، يتم إقحام الإسلام في موضوعات لا تمت إليه بصلة. هكذا شُخصت الإشكالية؛ وهو التشخيص الذي ذهب إليه بعض الإعلاميين الألمان، مثل سابينه شيفر مديرة إحدى مراكز البحوث الإعلامية بإرلانغين، وأوته هيمبيلمان الصحافية بالمكتب الإعلامي "كلارتيكست" بهامبورغ.
وقد أصدرت شيفر كتاباً – بعنوان "تصوير الإسلام في الإعلام" - يتحدث عن "التشويه الجماعي" للإسلام في وسائل الإعلام الألمانية.
ولطالما ُمزج المسلمون والإسلام بجرائم - مثل جريمة قتل الشرف – على الرغم من عدم ارتباطه كدين بمثل هذه الجرائم، فضلاً عن كونه لا يعترف بها من الأصل. ومن ثم، كان السؤال المطروح: هل ترتبط مثل هذه الجرائم بالمسلمين فقط؟ وهل هي حكر على المسلمين فقط أم أنها ممتدة عبر جميع الشعوب والأعراق والإثنيات؟ تلك هي التساؤلات التي خرجت بها إحدى ورش العمل التي كانت تحمل عنوان: "فقط الزواج بالإكراه وجرائم الشرف؟ كيف يخرج الإسلام من تلك العتمة؟
وموازاةً لذلك، تقوم بعض الصحف الألمانية بوضع المسلمين في قالب واحد، أو بصبهم في خانة واحدة، دون تدقيق أو تمحيص. وهو ما أشار إليه منير العزاوي، المتحدث الصحفي عن المجلس الأعلى الإسلامي في إشفايلر، إلى صورةٍ – في إحدى الصحف الألمانية التي لم يرد ذكرها – لأبي حمزة المصري، مكتوباُ تحتها أنه يُمثل الإسلام والمسلمين. وهو بحق مثل صارخ، يُعبر عن فداحة الأمر، وبشاعة تعامل تلك الصحيفة – غير المهنية – مع شأن الإسلام والمسلمين.
السبب الثاني لتلك الإشكالية يتمثل حقيقةً في مضمون الأخبار والتقارير والتحليلات، حيث يرتكز المضمون - غالباً وعادةً – على "الإسلام والعنف".
فكثيراً ما يُواجه المسلم بسؤال واحد، لا بديل غيره، وهو: هل أنت موافق على ما يفعله أسامة بن لادن؟ هذا هو السؤال الذي يواجه به عدد غير قليل من المسلمين، كما أدلى الصحافي الألماني المستقل المعروف ميشائيل لودرز. وهو ما يجعل المسلم دوماً في حالة الدفاع عن النفس، أو في حالة اعتذارية شبه دائمة. وقد عبر لوديرز عن استيائه من ذلك السؤال المُكرر، متساءلاً باستنكار: "هل يحب المواطن الألماني أن يُسأل دوماً عن موقفه من أدولف هتلر، كما يُسأل المسلم دوماً عن موقفه من بن لادن؟"
وقد أشار كاي حافظ، الأستاذ بجامعة إرفورت، إلى أن 60%-70% من الأخبار والتقارير التي تنقل عن الإسلام في الصحف الألمانية لا تتحدث إلا عن "الإسلام والعنف".
ولاقى تعامل الصحافييين مع الموضوعات المتعلقة بالإسلام نقداً لاذعاً من جانب الكثير، سواءً من قبل المُحاضرين أو من قبل الجمهور. فعدم إلمام الصحافي الألماني بالقدر الكافي من المعلومات حول الدين الإسلامي، وعدم معرفته بخلفية المهاجرين المسلمين إلى ألمانيا، وعدم دقته في ربط المعلومات ببعضها البعض، كل ذلك أدى إلى إظهار الإسلام في تلك الصورة السلبية التي يقدمها الإعلام الألماني اليوم.
ومن أكثر الأخطاء المنهجية شيوعاً - التي يتورط فيها هؤلاء الصحفيون – اعتبار الإسلام "دين مهاجرين" أو "دين فلاحين"، وليس ديناً عالميا. وقد عبر عن ذلك، المسلم الألماني عبد الله بوريك - الذي اعتنق الإسلام منذ أكثر من خمسين عاماً والذي ألف كتاباً حول "ممارسة الإسلام في اليوم العادي"، إذ نادى قائلاً: "لابد من قطع العلاقة بين الإسلام والمهاجرين، ولابد أن يعلم الألمان بأن الإسلام دين عالميً، ولا يقتصر على المهاجرين أو الفلاحين."
ولا تقع المسؤولية، كما أشار الكثير من المسلمين الحاضرين، على عاتق الصحافي الألماني فقط – الذي بات يستخدم وقتاً أقل في البحث عن المعلومات كما أشارت سابينه شيفير – وإنما تقع أيضاً على الصحافي المسلم المتدين، الملتزم بالدين الإسلامي، الذي يفتقر إلى المهنية أيضاً، والذي لا يشترك بفعالية وإيجابية في داخل دور الإعلام الألمانية.
كذلك تقع المسؤولية على عاتق القارئ الألماني، الذي لا ينتبه إلى ذلك التحيز المُتجلي في معظم الصحف الألمانية، كما أدلى عالم الاجتماع الألماني المسلم أحمد آرييس، الذي قال من ضمن إحدى مداخلاته: "إن القارئ الألماني يقرأ صحيفةً واحدة. لكنه إذا قرأ عشرة صحف، فسيكتشف أن الخبر المعني عن الإسلام يُكرر بنفس التحيز من صحيفة إلى أخرى."
"إدراج الحياة العادية للفرد المسلم الملتزم" في الصحف الألمانية كان من ضمن مُقترحات الندوة أوصى أيمن مزيك – أمين عام المجلس الأعلى الإسلامي بألمانيا – بضرورة التحرك من قبل المسلمين؛ بما يعني أن يكفوا عن الكلام، وأن يتجهوا إلى الفعل والعمل في المحيط الألماني.
أما منير عزاوي، فقد نصح بضرورة خروج المسلمين من دائرة الشكوى والتظلم إلى دائرة الفعل النافع والمبادرة الشجاعة التي تعود على المجتمع الألماني – بكل من فيه من عرقيات وأديان وملل وجنسيات – بالخير؛ وكذلك نصح بضرورة مسارعة المسلمين إلى نقد ذاتهم، وخاصةً في شأن استخدام العنف مع المرأة، الذي ينتهجه عدد كبير من الرجال المسلمين.
"إن ما ينقص المسلمين في ألمانيا هو التمثيل السياسي، من خلال منظمة جماعية كلية. إن ما ينقصهم هو الإرادة السياسية". هكذا شخص مزيك الداء؛ ومن ثم رأى الدواء في حتمية سد ذلك النقص.
كذلك نوقش "التنحي عن الموضوعات السياسية"، والتطرق إلى الموضوعات التي تتحدث عن الحياة العادية للفرد الملتزم إسلامياً؛ وأن يُسلط الضوء على معاشه، وأسلوب حياته اليومية.
وكان هناك شبه إجماع من قبل المُحاضرين بحتمية دخول الصحفيين الملتزمين إسلامياً في دور الإعلام الألماني، وعدم اكتفائهم باالاشتغال في الصحف المسلمة، مثل "دي إسلاميشه تسيتونغ". وكان هناك أيضاُ نداء بضرورة تجمع مسلمي ألمانيا تحت سقف واحد، واتجاه المؤسسات والهيئات الإسلامية نحو المهنية في العمل.
وقد ذهب البعض، مثل مزيك، إلى اقتراح إيجاد محطة إذاعية إسلامية في داخل ألمانيا، والسماح للمذيعة المُحجبة بالظهور على شاشة التليفزيون الألماني؛ إذ أن نقصان المسلمين في الإذاعات الألمانية يعتبر ظاهرة واضحة جداً. إن خُلاصة الأمر، كما أكد عليها لوديرز، هي التوجه نحو "الحديث مع المسلمين، وليس التحدث عن المسلمين".
وأخيراً، وليس آخراً، اتفق الجميع على أهمية إيجاد ميثاق شرف إعلامي، ليصير منهاجاً صارماً، ينضوي تحته جميع الصحفيين الألمان، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين. هذا "الكود" سيضع قيوداُ واضحة، تتعلق بهيكل المادة الصحفية، وكذلك تقويمها. وسيتعين على كل صحافي الالتزام بها، بغض النظر عن الصحيفة التي ينتسب إليها.