بمناسبة 3 شعبان مولد الامام الحسين عليه السلام .. في رحاب مصباح الهدى وسفينة النجاة

بمناسبة 3 شعبان مولد الامام الحسين عليه السلام .. في رحاب مصباح الهدى وسفينة النجاة
بمناسبة 3 شعبان مولد الامام الحسين عليه السلام .. في رحاب مصباح الهدى وسفينة النجاة

من النزعات الذاتية لأبي الشهداء عليه السلام قوة الإرادة، وصلابة العزم والتصميم، وقد ورث هذه الظاهرة الكريمة من جده الرسول صلّى الله عليه وآله الذي غيّر مجرى التاريخ، وقلب مفاهيم الحياة، ووقف صامداً وحده أمام القوى الهائلة التي هبت لتمنعه من أن يقول كلمة الله، فلم يعن بها وراح يقول لعمه أبي طالب مؤمن قريش: (والله لو وضعوا الشمس بيميني والقمر بيساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى أموت أو يظهره الله..). بهذه الإرادة الجبارة قابل قوى الشرك، واستطاع أن يتغلب على مجريات الأحداث، وكذلك وقف سبطه العظيم في وجه الحكم الأموي فأعلن بلا تردد رفضه لبيعة يزيد، وانطلق مع قلة الناصر إلى ساحات الجهاد ليرفع كلمة الحق، ويدحض كلمة الباطل، وقد حشدت عليه الدولة الأموية جيوشها الهائلة، فلم يحفل بها، وأعلن عن عزمه وتصميمه بكلمته الخالدة قائلاً: (لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برما..). وانطلق مع الأسرة الكريمة من أهل بيته وأصحابه إلى ميدان الشرف والمجد ليرفع راية الإسلام، ويحقق للامة الإسلامية أعظم الانتصارات والفتح حتى استشهد سلام الله عليه، وهو من أقوى الناس إرادة، وأمضاهم عزيمة وتصميماً. غير حافل بما عاناه من الكوارث التي تذهل العقول وتحير الألباب.

الصلابة في الحق

أما الصلابة في الحق فهي من مقومات أبي الشهداء ومن أبرز ذاتياته فقد شق الطريق في صعوبة مذهلة لإقامة الحق، ودرك حصول الباطل، وتدمير خلايا الجور. لقد تبنى الإمام عليه السلام الحق بجميع رِحابه ومفاهيمه، واندفع إلى ساحات النضال ليقيم الحق في ربوع الوطن الإسلامي، وينقذ الأمة من التيارات العنيفة التي خلقت في أجوائها قواعد للباطل، وخلايا للظلم، وأوكاراً للطغيان تركتها تتردى في مجاهل سحيقة من هذه الحياة. رأى الإمام عليه السلام الأمة قد غمرتها الأباطيل والأضاليل، ولم يعد ماثلاً في حياتها أي مفهوم من مفاهيم الحق، فانبرى عليه السلام إلى ميادين التضحية والفداء ليرفع راية الحق. وقد أعلن عليه السلام هذا الهدف المشرق في خطابه الذي ألقاه أمام أصحابه قائلاً: (ألا ترون إلى الحق لا يعمل به، والى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله..). لقد كان الحق من العناصر الوضائة في شخصية أبي الأحرار، وقد استشف النبي صلّى الله عليه وآله في هذه الظاهرة الكريمة فكان ـ فيما يقول المؤرخون ـ يرشف دوماً ثغره الكريم ذلك الثغر الذي قال كلمة الله وفجّر ينابيع العدل والحق في الأرض.

الحلم

أما الحلم فهو من أسمى صفات أبي الشهداء عليه السلام ومن أبرز خصائصه فقد كان ـ فيما أجمع عليه الرواة ـ لا يقابل مسيئاً بإساءته، ولا مذنباً بذنبه، وإنما كان يغدق عليهم ببره ومعروفه شأنه في ذلك شأن جده الرسول صلّى الله عليه وآله الذي وسع الناس جميعاً بأخلاقه وفضائله، وقد عرف بهذه الظاهرة وشاعت عنه.

التواضع

وجُبل الإمام الحسين عليه السلام على التواضع ومجافاة الأنانية والكبرياء، وقد ورث هذه الظاهرة من جده الرسول صلّى الله عليه وآله الذي أقام أصول الفضائل ومعالي الأخلاق في الأرض، وقد نقل الرواة بوادر كثيرة من سمو أخلاقه وتواضعه ومنها: إنه اجتاز على مساكين يأكلون في (الصفة) فدعوه إلى الغذاء فنزل عن راحلته، وتغذى معهم، ثم قال لهم: قد أجبتكم فأجيبوني، فلبوا كلامه وخفوا معه إلى منزله، فقال عليه السلام لزوجه الرباب: أخرجي ما كنت تتدخرين. فأخرجت ما عندها من نقود فناولها لهم. مرّ على فقراء يأكلون كسراً من أموال الصدقة، فسلم عليهم فدعوه إلى طعامهم، فجلس معهم، وقال: لولا أنه صدقة لأكلت معكم ثم دعاهم إلى منزله، فأطعمهم، وكساهم، وأمر لهم بدراهم. لقد اقتدى عليه السلام في ذلك بجده الرسول صلّى الله عليه وآله سار على هديه فقد كان ـ فيما يقول المؤرخون ـ يخالط الفقراء ويجالسهم، ويفيض عليهم ببره وإحسانه، حتى لا يتبيغ بالفقير فقره، ولا يبطر الغني ثراؤه.
عبادته وتقواه

واتجه الإمام الحسين عليه السلام بعواطفه ومشاعره نحو الله فقد تفاعلت جميع ذاتياته بحب الله والخوف منه، ويقول المؤرخون: إنه عمل كل ما يقربه إلى الله فكان كثير الصلاة والصوم والحج والصدقة وأفعال الخير. ونعرض بعض ما أثر عنه من عبادته واتجاهه نحو الله:

خوفه من الله

كان الإمام عليه السلام في طليعة العارفين بالله، وكان عظيم الخوف منه شديد الحذر من مخالفته حتى قال له بعض أصحابه: ما أعظم خوفك من ربك؟! فقال عليه السلام: (لا يأمن يوم القيامة إلا من خاف الله في الدنيا..). وكانت هذه سيرة المتقين الذين أضاءوا الطريق، وفتحوا آفاق المعرفة، ودللوا على خالق الكون وواهب الحياة.

كثرة صلاته وصومه

كان عليه السلام أكثر أوقاته مشغولاً بالصلاة والصوم. وكان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة. كما حدث بذلك ولده زين العابدين (ع). وكان يختم القرآن الكريم في شهر رمضان. وتحدث ابن الزبير عن عبادة الإمام فقال: أما والله لقد قتلوه، طويلاً بالليل قيامه، كثيراً في النهار صومه.

حجه

كان الإمام عليه السلام كثير الحج وقد حج خمساً وعشرين حجة ماشياً على قدميه. وكانت نجائبه تقاد بين يديه وكان يمسك الركن الأسود ويناجي الله ويدعو قائلاً: (إلهي أنعمتني فلم تجدني شاكراً، وابتليتني فلم تجدني صابراً، فلا أنت سلبت النعمة بترك الشكر، ولا أدمت الشدة بترك الصبر، إلهي ما يكون من الكريم إلا الكرم...). وخرج عليه السلام معتمراً لبيت الله فمرض في الطريق فبلغ ذلك أباه أمير المؤمنين عليه السلام وكان في يثرب فخرج في طلبه فأدركه في (السقيا) وهو مريض فقال له: يا بني ما تشتكي؟ قال: أشتكي رأسي. فدعا أمير المؤمنين ببدنة فنحرها وحلق رأسه ورده إلى المدينة، فلما أبل من مرضه قفل راجعاً إلى مكة واعتمر، هذا بعض ما أثر من طاعته وعبادته.صدقاته

كان عليه السلام كثير البر والصدقة، وقد ورث أرضاً وأشياءً فتصدق بها قبل أن يقبضها وكان يحمل الطعام في غلس الليل إلى مساكين أهل المدينة لم يبتغ بذلك إلا الأجر من الله، والتقرب إليه، وقد ألمعنا ـ فيما سبق ـ إلى كثير من ألوان بره وإحسانه.