القرضاوي: انتصار المقاومة أعاد للأمة بعض هيبتها

القرضاوي: انتصار المقاومة أعاد للأمة بعض هيبتها

أكَّد العلامة الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن نصرة فلسطين ولبنان فرض عين على الأمة حتى تُحرَّر القدس وكل فلسطين ومن يتخلف عن ذلك فهو آثم.

وقال القرضاوي في حوار مع صحيفة "المصري اليوم" المصرية المستقلة في عددها الصادر السبت 19-8-2006 : إنَّ الحكام الذين تخاذلوا عن نصرة الشعب الفلسطيني المحاصر آثمون، مؤكدا أن الأمة عادت إليها بعض هيبتها مع انتصار المقاومة، داعيا الشعوب للتمسك بهذا الخيار الذي يحفظ كرامتها.

وشدد القرضاوي على أن "المقاومة أضافت الكثير، وأثبتت أن إسرائيل ليست القوة التي لا تُقهر، أو الشيء الذي يقف أمامه العرب ويقولون ما لنا به من طاقة، أو لا قبل لنا بإسرائيل".

ومضى مُضيفا "أخرجت المقاومة مكنون هذه الأمة، وأثبتت أن فئة قليلة العدد محدودة الإمكانيات وقفت أمام جيش من أقوى جيوش العالم، ووراءه أكبر قوة في الأرض، تدعمه بالمال والسلاح والقنابل الذكية، والتأييد السياسي بالفيتو".

وفيما يلي نص الحوار:

حين تختلط المفاهيم، ويصعب التفريق بين المقاومة المشروعة للمحتل، والقتل العشوائي للمدنيين في أوطانهم أو في بلاد المسلمين.. وحين تصدر فتاوى تضرب بجذور الفتنة في أوصال الأمة، وتحرم نصرة حزب الله لأنه «شيعي»، يهرع المسلمون إلى الثقات من علماء الأمة، ويظل الدكتور يوسف القرضاوي أحد رواد الوسطية والاعتدال في مدرسة الفقه الإسلامي المعاصر.

الداعية الكبير استضافنا في منزله، وأكد في حوار خاص لـ«المصري اليوم» أن الإسلام لم يبدأ بحمل السيف، ولا بتعطش للدماء والحروب، وهو يكفل للمدنيين والسياح الأمان الكامل، كما أبدى إعجابا شديدا بشجاعة الجماعة الإسلامية على اعترافهم بالخطأ، ومدح مراجعاتهم الفقهية، كما دافع عن فقه التيسير في الفتوى والتبشير في الدعوة.

وطالب القرضاوي بتقديم الحريات على تطبيق الشريعة، ودعا الأمة للتمسك بخيار المقاومة الذي أثبت حزب الله أنه السبيل لحفظ كرامة الأمة.

- يسود خلط شديد بين الحق الشرعي في مقاومة المحتل، والقتل العشوائي لرعايا دول لها مواقف من العرب والمسلمين، هل أعطى الإسلام لهؤلاء المدنيين الأمان؟

د. القرضاوي: الحقيقة الشرعية تقول إن الأصل في الدماء هو حرمة المساس به، فالنفس الإنسانية مصونة، ولا يجوز الاعتداء عليها إلا بسبب قتل النفس أو الفساد في الأرض، وهذا ما قرره القرآن والكتب السماوية السابقة، لذا يقول تعالى: {أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} (سورة المائدة: ٣٢)، فإذا لم يكن الإنسان -أيا كانت ديانته- قد قتل أو أفسد في الأرض، فبأي ذنب يقتل؟ ويمنح الشرع السائح مثلا أمانا كاملا بمقتضي تأشيرة الدخول، وهي بمثابة عقد أمان تمنع أن يمسه أحد من سكان هذا البلد بسوء.

- ما أسباب قتال غير المسلمين، هل هو لعلة الكفر أم بسبب عدوانهم الذي يقومون به؟

د. القرضاوي: لم يقل أحد بأن الكفر وحده يُبيح الدم إلا الإمام الشافعي، وخالف في ذلك رأي الجمهور الذين اجتمعوا على أن الكفر ليس مُبيحا للقتل، بدليل أننا أُمرنا بألا نتعرض لحياة النساء والصبيان من غير المسلمين ولذلك فالقرآن يقول: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (سورة البقرة: آية ١٩٠).

وأرسى الإسلام بذلك قاعدة، هي أن غير المسلمين لا يُقتلون إلا إذا اعتدوا على أرض المسلمين، أو دمائهم، أو حتى على الذميين الذين يعيشون في عهد المسلمين، والقرآن يقرر هذا المعنى.. {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً} (سورة النساء: آية ٩٠)، وفي مقابل ذلك نجد القرآن يتحدث عن قوم آخرين فيقول {فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا} (سورة النساء: آية ٩١).

- نفهم من ذلك أن الإسلام أعطى لغير المسلمين حقوقا أكثر مما نتصور؟

د. القرضاوي: هناك آيتان تعتبران دستورا في معاملة غير المسلمين في سورة الممتحنة، يقول رب العزة: {لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (سورة الممتحنة: آية ٨)، والبر هنا يعني الود والإحسان، وهذا هو موقف الإسلام، والمسلمون ليسوا وحوشا ليقتلوا الآمنين من إخوانهم في الإنسانية، ولذلك جاءت الآية التالية لتوضح المقصودين بإظهار العداء لهم وأسباب ذلك: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (سورة الممتحنة: آية ٩).

- ما الذي ذهب بالبعض إذن إلى هذا التطرف في التفكير والاعتقاد بأن دم غير المسلم حلال؟

د. القرضاوي: هذا الشطط والغلو؛ لأنهم لم يفهموا مقاصد الشريعة، وظنوا أن الإسلام جاء ليقاتل الناس جميعا، وهذا ليس صحيحا، فالإسلام لم يبدأ بحمل السيف، بل هو الذي حورب بالسيف، وانتصر يوم بدر، ولم يُؤذن للمسلمين بحمل السلاح إلا بعد الهجرة: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} (سورة الحج: آية ٣٩).

- ألا ترى أن بعض الناس يقفون عند حدود النص دون دراسته وتفسيره؟

د. القرضاوي: هذا أحد الأسباب المؤدية للتطرف، ولذلك فمن المهم في هذا العصر أن يكون للمتصدي للفتوى ومن يُعلم الناس شئون دينهم باع طويل من فقه البصيرة، ومقاصد الشريعة وفقه الموازنات والمآلات، لا بد أن تكون عنده معرفة جيدة بأصول الفقه وعلوم اللغة، كما يجب أن يتقرر في ذهن المسلم العادي ومن يحاول أن يستنبط الأحكام أن الله أذن للناس أن يختلفوا، والكفر واقع بمشيئة الله، ولو أراد ربنا أن يجعل الناس كلهم مؤمنين لخلقهم ملائكة، لكنه أعطى الإنسان عقله ليقرر ويختار.

- ما مدى إساءة حوادث قتل المدنيين في الغرب والعراق على صورة الإسلام؟

د. القرضاوي: لا شك أن هؤلاء يظلمون الدين بتحميله مسئولية أعمالهم، وأنا أسأل بأي شرع يُقتل القادم من اليابان أو سويسرا، وكيف نعتبره عدوا ونسفك دمه؟ هذه أسوأ دعاية لهذا الدين، الذي من المفترض أنه يحبب الله إلى الناس.

هذا التعطش للدماء لا أجد له مبررا، والقرآن احتفى بغزوة الأحزاب حين انتهت دون دماء وعلق عليها: {وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} (سورة الأحزاب: آية ٢٥)، وفي الحديث أن أقبح الأسماء «حرب ومرة» الإسلام يريد أن يعامل الناس بالحسنى، ولذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «اتركوا الترك ما تركوكم، ودعوا الحبشة ما ودعوكم».

- كيف تنظر للمراجعات الفقهية التي أقدمت عليها الجماعة الإسلامية لوقف العنف؟

د. القرضاوي: أنا أؤيد هذه المبادرات بشدة، وسررت غاية السرور بموقف القيادات التاريخية للجماعة الإسلامية، كما أحيي كرم زهدي وناجح إبراهيم على كتب المراجعات وتصحيح المفاهيم، وأعتقد أن اعترافهم بأخطائهم السابقة يُعتبر شجاعة أدبية يُحمدون عليها، وهو دليل شجاعة وإخلاص وإذا أخطأ المجتهد فله أجر وإذا أصاب فله أجران.

- لكنهم وقعوا في دماء بريئة، فهل عليهم كفارة؟

د. القرضاوي: ما قاموا به كان نتيجة لأخطاء، وربما لاجتهاد غير موفق ومعرفة لم تكتمل بعد، لكن الجميل والجدير بالثناء، أنهم تراجعوا عن حمل السلاح في وجه النظام وسلطوا الضوء على ما وقع في «تجربة الجهاد» من أخطاء بكل أمانة وتحملوا عبء إقناع قواعدهم بها بالرغم من الضغوط النفسية الهائلة.

- ما حكم الذين يقتلون مدنيين أبرياء باسم الدين الإسلامي؟

د. القرضاوي: الجماعات التي تبنت العنف في وقت من الأوقات، مثل الجهاد والجماعة الإسلامية سابقا، وجبهة الإنقاذ في الجزائر، أحيانا تنطبق عليهم أحكام البغي والبغاة، وهي أحكام مفصلة في الفقه الإسلامي وتختلف من حال إلى آخر، وهناك شروط لتطبيق حكم البغاة على هؤلاء، منها أن تكون الجماعة لها شوكة وقوة، ولهم تأويل للخروج على الدولة، وينبغي أن يكون هذا التأويل سائغا بوجه ما، لا أن يكون باطلا بوجه دائم.

- ماذا تقصد بالتأويل السائغ لأعمال الجماعات الإسلامية؟

د. القرضاوي: أعني أن خروجهم لم يكن لمجرد القتل وسفك الدماء، وإلا كانوا قطاع طريق، لكن التأويل الذي يستند إليه هؤلاء في قيامهم بالأعمال المسلحة، هو اعتقادهم أن هناك منكرات ينبغي أن تزول، أو لأن الإسلام غير مطبق والحكام بعيدون عن الشريعة، فالواجب أن يبحث الفقهاء هذه التأويلات، ويرون إذا ما كانت سائغة أم لا، وفي هذه الحالة، فإن ما يقع من البغاة لا يلزمون به، ولا يقتص منهم، ولا تطبق عليهم أحكام شرعية.

- كان للجماعة الإسلامية موقف من كتاباتك ثم اعتمدوا عليها في مراجعاتهم، ما تفسيرك لذلك؟

د. القرضاوي: التفسير أنهم انفتحوا على الآخرين، بعد أن عاشوا مرحلة من العزلة الفكرية، ودعني أقول إن كتبي كانت من المحرمات عندهم، وبعد أن قاموا بالمراجعات، أصبحوا ينقلون من كتب العلماء الوسطيين الصفحات وراء الصفحات بعد أن كان ذلك محظورا، وبلا شك، فإن هذه المراجعات خطوة في الطريق الصحيح، وأدعو باقي الجماعات المسلحة أن يكون لها مثل هذا الموقف.

- لماذا تدعو الناس للأخذ بالأيسر من الأحكام، بدلا من الأخذ بالأحوط؟

د. القرضاوي: فقه التيسير منهجي الذي أسير عليه منذ أكثر من نصف قرن، ومنذ تأليفي كتاب «الحلال والحرام» في الإسلام في الخمسينيات ولاقى حينها انتقادات كثيرة، وأنا أرى في التيسير منهجا قرآنيا ونبويا، فالقرآن مليء بالإشارات الدالة على ذلك، يقول الله تعالى: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (سورة البقرة: آية ١٨٥)، وفي ختام آيات الطهارة: {مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (سورة المائدة: آية ٦)، وبعد أن بيّن ربنا المحرمات من النساء قال: { يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا} (سورة النساء: آية ٢٨).

- إذن.. فهو منهج مؤصل في الإسلام؟

د. القرضاوي: نعم وما يدل على ذلك ما جاء في الأثر النبوي: «إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين» - أو فيما معناه و«يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا»، ولهذا فمنهجي الذي أستقيه من فهمي للإسلام هو التبشير في الدعوة، والتيسير في الفتوى، وإذا كان اليسر واللين في الشرع مطلوبين في كل عصر، فهو ألزم ما يكون في عصرنا.

- لماذا؟

د. القرضاوي: لأن عصرنا غلبت عليه الناحية المادية على الناس، ومشاغل الحياة طغت فيه على الناس، وهو زمن رق فيه الدين، وقل فيه اليقين، فأصبحنا في حاجة إلى أن نخفف على الناس ونسهل عليهم.

وأنا أقول للمسلمين: بحسبكم أن تؤدوا الفرائض وتجتنبوا الكبائر، وتقتربوا من الله ما أمكن والأخذ بالأيسر في الأحكام وتقديمه على الأحوط هو منهج النبي صلى الله عليه وسلم الذي رُوي عنه أنه كان إذا خُير بين أمرين اختار أيسرهما وليس أحوطهما، وهذا ما نحتاجه في عصرنا الحالي.

- أيهما أولى: تطبيق الشريعة أم بسط الحريات العامة؟

د. القرضاوي: مناداتنا بأولوية تعميم الحريات، لا تعني عدم تطبيق الشريعة، وإنما نقول إن الحرية شرط لتطبيق الشريعة، ولا يمكن أن أحكم الناس بالشرع وهم يستبد بهم الظلم والطغيان، لا بد أن تتيح للناس الحرية ليختاروا الشريعة بملء إرادتهم وحريتهم الكاملة؛ لأنه ببساطة «لا إكراه في الدين»، ولذلك نرى أن الصحوة الإسلامية لم تنتعش إلا في ظلال الحريات، والمد الإسلامي في الجامعات جاء بعد أن رفعت السلطة يدها عن أسوار الجامعة، دعني أؤكد أن الحرية هي المناخ الطبيعي الذي لا بد منه لتطبيق الشريعة حتى يأخذ كل ذي حق حقه.

- ثلاثون يوما من المعارك في لبنان انتصرت فيها المقاومة، ماذا أضافت للأمة؟

د. القرضاوي: أضافت الكثير، وأثبتت أن إسرائيل ليست القوة التي لا تُقهر، أو الشيء الذي يقف أمامه العرب ويقولون ما لنا به من طاقة، أو لا قِبل لنا بإسرائيل.

وأخرجت المقاومة مكنون هذه الأمة، وأثبتت أن فئة قليلة العدد محدودة الإمكانات وقفت أمام جيش من أقوى جيوش العالم، ووراءه أكبر قوة في الأرض، تدعمه بالمال والسلاح والقنابل الذكية، والتأييد السياسي بالفيتو، وسعادتي ترجع إلى أن أهل السنة قاتلوا إلى جوار إخوانهم الشيعة حتى أدبوا إسرائيل، وخرجت تجر أذيال الخيبة.

- لكن هذه المعركة أبرزت تباينا واضحا بين الشعوب التي تبنت خيار المقاومة من جهة، والحكومات من جهة أخرى؟

د. القرضاوي: الشعوب تُمثل صوت الحق في هذه القضية، وهي بالفعل ليس عليها من الغشاوات والتأثيرات المضللة ما يجعل أعينها تعمى عن الحقيقة، أما الحكومات فهي للأسف مهزوزة، وتعمل ألف حساب لإسرائيل، وتؤمن أن أمريكا يجب أن تُطاع.

- ما هو الموقف الشرعي للحكام الذين تخلفوا عن نصرة فلسطين ولبنان؟

د. القرضاوي: الحكام آثمون دونما شك، خاصة بسبب تخاذلهم عن قضية الشعب الفلسطيني المحاصر، والعرب يتفرجون، ويجب أن نعلم جميعا أن مناصرة فلسطين ولبنان فرض عين على الأمة كلها حتى تحرر القدس وكل فلسطين.

- لماذا جاء موقف العلماء من حزب الله متباينا متناقضا؟

د. القرضاوي: هذا تحميل للأمور أكثر مما تحتمل، فإذا كان هناك موقف مخالف لأحد العلماء، فهذا لا يمنع أن معظم العلماء موقفهم واضح من تأييد المقاومة، وهناك علماء التبس عليهم الأمر دون شك.

- ولماذا لا تقول ارتبطوا بحسابات سياسية؟

د. القرضاوي: ليس من الضروري ذلك، وإن كان البعض له حساباته السياسية، لكن الواضح أن بعضهم لديه مشكلة تتعلق بالشيعة وأفكارهم، وأعتقد أن الغالبية العظمى من العلماء تجاوزت هذه النظرة المحدودة.

- وهل لأن حزب الله من الشيعة يعطي الحجة لعدم نصرتهم في حرب إسرائيل؟

د. القرضاوي: هذا قياس فاسد، وبغض النظر عن معتقدات الشيعة التي لا أراها تخالف السنة في الأصول الكبرى، فنحن في هذه الحرب إزاء ظالم ومظلوم، فمع من نقف؟ مع المظلوم أيا كانت معتقداته؛ بل إن المسلمين فرحوا للروم لما غلبوا الفرس في صدر الإسلام، وأنزل الله في ذلك قرآنا يُتلى، وذلك لمجرد أن الروم أصحاب رسالة سماوية جعلتهم أقرب وجدانيا إلى المسلمين، وأنا أقولها صراحة: إن الدين والمنطق يحتمان دعم حزب الله في معركته ضد الظلم الإسرائيلي.

- لماذا ينصرف الشباب عن الدعاة الرسميين للأزهر ووزارة الأوقاف؟

- أنا ضد التعميم، لا نستطيع أن نقول إن كل العلماء من الأزهر غائبون عن الحضور الجماهيري، لكن بلا شك هناك حالة من الضعف التي تعتري الأزهر ورجاله، ولهذا الوضع أسباب تعليمية، كما أن ارتباطه بالسلطة منذ عهد عبد الناصر أثر في مواقفه، وبعد أن أصبحت الدولة تحدد ميزانية الأزهر بدأ الوهن يتخلل في جسده، لذا أطالب بأن يستقل الأزهر ماديا وتعود له أوقافه التي تنفق عليه.

- تعني أن قوة العلماء في انفصالهم عن السلطة؟

د. القرضاوي: هذا هو الوضع الطبيعي، ومرجع قوة علماء الشيعة، أنهم مستقلون تماما عن السلطة، وأنا أذكر أن الشيخ عبد المجيد سليم شيخ الأزهر الأسبق -عندما كنا طلابا- قال كلمة أغضبت القصر الملكي، حينما حاول الملك فاروق تقليص ميزانية الأزهر فقال لهم مقولته الشهيرة: «تقتير هنا.. وإسراف هناك، إن لم تزيدوا له فلا يُنتقص الأزهر في عهدي».

- هل وضع الأزهر هو ما دفعكم لتأسيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين؟

د. القرضاوي: لا رابط مباشر بينهما، ونحن أردنا للاتحاد أن يكون مشروعا إسلاميا عالميا، ومؤسسة مستقلة عن الدول والأنظمة والأحزاب والجماعات، وهو يُعتبر جهة شعبية تُمثل جميع المسلمين، وحين انتخبت رئيسا للاتحاد، تم اختيار ٣ نواب للاتحاد منهم الشيخ آية الله التسخيري ممثلا للشيعة، وأحمد الخليل مفتي عمان وهو إباضي المذهب، وأعتقد أن الاتحاد كان له مواقفه القوية خاصة في أزمة الرسوم المسيئة، وقضية فلسطين ولبنان.

- كيف تنظر لمستقبل الأمة وسط التحديات المعاصرة؟

د. القرضاوي: اليوم عاد للأمة بعض هيبتها مع انتصار المقاومة، وأدعو الشعوب للتمسك بهذا الخيار الذي يحفظ كرامتها، ولست قلقا من بعض الأفكار المتطرفة والبعيدة عن صحيح فهم الدين؛ لأن تأثيرها على الشباب الآن ضعيف، وأُبشر المسلمين بأن الفهم الوسطي للدين الحنيف يتوسع على حساب الأفكار المتطرفة.