ـ(184)ـ
سينا الذي ظلت جامعة "مونبيليية" بفرنسا تدرس كتبه في علم الطب حتّى مطلع القرن العشرين.
ويعجبني بهذا الصدد ما قاله المؤرخ الإنجليزي "ويلز": "إنّ كلّ دين لا يسير مع المدنية في كلّ طور من أطوارها فاضرب به عرض الحائط ولا تبالي به لأن الدين الذي لا يسير مع المدنية جنباً إلى جنب إنّما هو شر مستطير يجر أصحابه إلى الهلاك. وأن الديانة الحقة التي وجدتها تسير مع المدنية كيفما سارت وأبحرت، هي في نظري الإسلام. ومن أراد أن يحقق ذلك بنفسه فليتصفح القرآن وما فيه من نظريات علمية وقوانين تشريعية ومدنية وأنظمة لترابط المجتمع الإنساني. فالقرآن ـ والحق يقال ـ كتاب ديني علمي اجتماعي تهذيبي خلقي تاريخي وأكثر نظمه وقوانينه نستعملها نحن الآن في وقتنا الحاضر. وسيستعملها غيرنا ممن هم بعدنا حتّى فناء الدنيا ولو طلب مني أحد القراء تحديد تعريف الإسلام في عبارة واحدة، أحدده لـه في العبارة الآتية: (الإسلام هو المدنية المرتقبة)".
فهل لدعاة المذهبية وأنصار التقليد بعد هذا أن يقوقعوا الإسلام ويسمروه عند الأئمة الأربعة ؟ وأن جميع من أتوا من كبار الفقهاء لا يحق لهم أن يجتهدوا بعد عصر الأئمة الأربعة ؟ لقد تجلى علم الله في القرآن بأسماط ذهبية، تنتظم جميع الأحكام الفقهية والمعارف الروحية والحقائق الكونية. ونحن إذا تأملنا القرآن الكريم نجد آياته تزخر بالمعجزات المختلفة، وهي في آن تحفزنا إلى مداومة البحث والتنقيب والتدبر والتأمل، وعندها لابد وأن نخرج بنتيجة ذلك بالوصول إلى معرفة الله مصداقا لقوله سبحانه "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتّى يتبين لهم أنّه الحق".
أما ما يتعلق بعلم الفقه من عبادات ومعاملات فهل نكتفي بما انتهى إلى معرفته الأئمة الأربعة، ونسد باب الاجتهاد، ونعطل مفعول الآية القرآنية: "فلولا نفر من كلّ فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون"؟
نحن اليوم في أحرج الأوقات. فليس أمامنا إلاّ حركة وإمكانات لشعب