ـ(49)ـ
أحدها: ظواهر الأعمال.
والثاني: على السمع الوارد بمقادير الثواب وما دلت عليه معاني الكلام.
والثالث: المنافع في الدين بالأعمال. فأما مقادير الثواب ودلالتها من مضمون الأخبار المستحق للجزاء فقد مضى طرف منها فيما ذكره وقدمه.
وأما ظواهرها فإنه لا يوجد أحد في الإسلام لـه من ظواهر الأعمال في الخير ما يوجد لأمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ، فإذا كان الإسلام أفضل الأديان لأنه أعم مصلحة للعباد كان العمل في تأييد شرائعه أفضل الأعمال، مع الإجماع أنّ شريعة الإسلام أفضل الشرائع، والعمل بها أفضل الأعمال... فأما إيجاب الفضل في المنافع الدينية فإن أكثر المعتزلة يقولون في تفضيل النبي صلى الله عليه وآله على من تقدمه بكثرة المستحسنين والمستعينين لملته وشريعته على ما سلف من أمم الأنبياء، فإن كانت شريعة الإسلام إنما تثبت بالنصرة للنبي صلى الله عليه وآله فما عددناه لأمير المؤمنين من الأعمال وجب به فضله على كافة من فاته ذلك من السابقين والأمم المتأخرة (1).
يتضح لدينا أخيراً مما تقدم من مواقف الشيخ المفيد من الغلو والغلاة ومن آرائه: أنّه قد وقف موقفاً قوياً، زارياً على القوم آراءهم، مبطلاً منهجهم، راداً عليهم بالحجة والبرهان. وأنه قد سلك مسلكاً بارعاً، واعتمد منهجاً علمياً تمثل باعتماد منطق الوجدان، وساطع البرهان ودليل العيان، وموافقة إجماع وصحيح النقل.
وقد وجدنا الشيخ المفيد عندما يثبت لديه الخبر ويصح ـ وخاصة في الموارد التي مدركها السماع ـ لا يتردد في الأخذ به. أما إذا عثر على شائبة من التدليس أو وجد في السند من هو مطعون فيه فإنه لا يرى موجباً للأخذ به. ولعل مما يقتضي التنبيه إليه أنّ الشيخ المفيد يرى أنّ اشتهار الخبر وشيوعه لا يكفي للأخذ به، بل نجده
_______________________________________________
1 ـ رسالة في تفضيل أمير المؤمنين، عدة رسائل للشيخ المفيد: 205 ـ 206.