ـ(133)ـ
إن أقوال هذين المستشرقين عارية من الصحة، ومغايرة للكتاب والسنة، ومخالفة لما تتفق عليه عامة المسلمين، ولا يستبعد أن تكون الغاية من أقوالهم هذه إثارة الفرقة والاختلاف بين المسلمين، والتشكيك في واحد من أهم أصولهم الاعتقادية، وما يتقوله گلذريهر بأن النبي قد اعترف بالخطأ له معنى آخر. وقد علاج الإسلام هذه المواقف ومواقف أخرى تماثلها بإسهاب وتفصيل سنتطرق له لاحقاً.
إن أصل فكرة عصمة الأنبياء له جذر قرآني، فقد ورد في عدة آيات وإن لم يصرح فيها بمصطلح العصمة كقوله تعالى: (إنا أرسلناك بالحق بشيراً ونذيراً ولا تسأل عن أصحاب الجحيم)(1). وقوله تعالى: (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجراً إن هو إلاّ ذكرى للعالمين)(2).
وقوله تعالى:(عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلاّ من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً)(3).
ويمكن القول بأن مصطلح العصمة هو كغيره من المصطلحات الكلامية الأخرى التي استحدثت فيما بعد، وقد ورد بهذا المعنى في روايات نقلت عن أئمة أهل البيت المعصومين: كالرواية الواردة عن الإمام الصادق (عليه السلام)(4). وهي تدل على أن مصطلح العصمة كان شائعاً ومستعملاً عند المسلمين في عصر الإمام الصادق (عليه السلام)، وربما استعمل مصطلح التنزيه بدلاً منه في ذلك العصر أيضاً(5).
وقد استدل العلماء بأدلة مختلفة عقلية ونقلية، وعقلية نقلية في آن واحد لإثبات عصمة الأنبياء، وهنا لابد من الإشارة لبعض ما استدل به هؤلاء المتكلمون على
_______________________________________________________
1ـ البقرة: 119.
2 ـ الأنعام: 90.
3 ـ الجن: 26.
4 ـ المجلسي في بحار الأنوار 12: 348.
5 ـ الإمام أبو حنيفة، الفقه الأكبر: 5.