/ صفحه 253/
لما طعن عمر رضي الله عنه طعنته التي مات فيها، أمر صهيبا الرومي أن يصلي بالناس ـ ترك المهاجرين، وفيهم أهل السابقة وذوو الفضل، وترك الأنصار وهم الذين آووا ونصروا، وكل له في قومه المكانة، وأمّر على الصلاة صهيبا الرومي الذي لا عصبية له ولا قوة. ولما طلب إليه أن يستخلف قال: ما إخالني ممن يستخلف، وقال لو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً لما شككت فيه.
وهذه أخرى تتبع الأولى في نسق؛ يريد أن يولي الخلافة رجلا ليس من العرب وقد جرى عليه الرق وأعتق، هذا قطع للتمايز بالجنس وتثبيت للمساواة بأبلغ وجه فهو يرى ألا فرق بين عربي وغير عربي في تولي المناصب العامة.
ولكن القوة الداخلية في نفوس كثير من العرب كانت تكره هذا وتمقته وتعيبه وتزري به، فكان يقول شاعرهم:
هذا صهيب أم كل مهاجر وعلا جميع قبائل الأنصار
لم يرض منهم واحداً لصلاتنا وهم الهداة وقادة الأخيار
هذا ولو كان المقدم سالما حيا لنال خلافة الأنصار
ما زال هذى العجم تحيا دوننا إن العريب لفي عمى وخسار
عاب عمر بأنه ولى على الصلاة صهيبا الرومي، فأم المهارجين والأنصار. وهم من هم من الفضل والسابقة، وأنه فكر في أن يولي الخلافة العامة رجلا غير عربي هو سالم مولى أبي حذيفة، ولم يذر أن هذه السياسة هي التي تجعل المجتمع الاسلامي في قوة وأمان.
إن المجتمع الاسلامي مكون من عنصرين: العرب وغير العرب من الفرس والروم وغيرهم، فإذا لم يشعر الجميع بالمساواة، وأن الدولة الجديدة لا تميز بينهم في الحقوق والواجبات لم يطمئنوا إليها وداخلهم من البغض لها والكراهية ما يزلزل هذا المجتمع الجديد وينقضه من قواعده، ولما حادت عن ذلك الدولة الأموية دخلها من الضعف والوهن ما قوضها وأزال ملكها، ثم هو بعد مبدأ من مبادئ الإسلام ذو خطر يحافظ عليه الإسلام ولا يرضى بأن يخالف أو يستثنى فيه.