/ صفحه 23/
في هذه الفترة أخذت تنشق عن الفصحى لهجات متعددة، وهي وإن لم تتغلب على أمها في الكتابة والتأليف إلا أنها طغت عليها في المخاطبات العامة، وفي مجالات الحياة العملية والشئون اليومية. ومما زاد في الطين بلة: سقوط الهمم وتبلد الأذهان والتقصير في طلب العلم بسبب الدمار الذي ألحقه المغول بالحضارة الاسلامية، فغمر الأمة ليل أليل من الجهالة والبداوة.
تجسم هذا الخطر الداهم خلال عصور الأتراك الأخيرة، وهي عصور تميزت بظهور نعرة طورانية غالية، حاول الأتراك بواسطتها إذابة العناصر التابعة للدولة في عنصر الفئة الحاكمة، ومن ثم اتخذت التركية لغة في عالم التعليم وفي القضاء والدواوين الرسمية، إلى هذا ونحوه مما نبه قادة الرأي في هذه الديار إلى مناهضة الخطر المحدق بهم، وانبري من انبري للدفاع والمقاومة والمطالبة بالحقوق. ودام ذلك كله إلى أن أعلنت الحرب العالمية الأولى، وفقي الحرب المذكورة غلب الترك على أمرهم وجلوا عن البلاد ليسيطر عليها المستعمرون الغالبون، فعاني العرب والمسلمون في هذه المرحلة أضعاف ما عانوه من ارهاق المرحلة السابقة.
عتبت على عمرو فلما فقدته وعاشرت أقواماً بكيت على عمرو
وهكذا توالت الانتفاضات على المحتلين الذين خدعوا الأمة بأقوال معسولة ومواثيق كاذبة وهي انتفاضات معروفة أكرهت الأقوياء الطامعين على الاعتراف ببعض الحقوق للمواطنين فحصلوا على قسط من السيادة والحكم الذاتي بموجب قوانين أساسية تضمنت احترام حرياتهم وحقوقهم وشخصياتهم القومية.
ولكن دسائس المستعمرين لم تنقطع بعد ذلك فعمدوا إلى إثارة الفتن لضمان سيطرتهم على شئون البلاد وتحكمهم بها ولا يستثنى من ذلك الشئون الثقافية.
لا شك أن هذه الفترة التي نعيش فيها الآن فترة انتقال أو انقلاب تناول أبناؤها بالنقد والتمحيص كثيراً من مناحي الحياة مادية ومعنوية ومن جملتها اللغة.
فترة شك وإرجاف:
ولا يخفى أن العربية مرت أخيراً بفترة يصح أن تسمى محنة إذ كثر حولها