/ صفحه 351/
والمعصية، وموقف الإنسان أمام التكليف الإلهي، وما ارتسم في نفسه من معنى القضاء الإلهي، عرضت السورة لهذه الشبه وأجابت عنها بما يضع الحق في نصابه ويقطع على صاحبها حبل التمسك بها، ويحول بينه وبين ما يريد أن يضع نفسه فيه من أماكن التحلل من المسئوليات، والإلقاء بكل ما يرتكب من كفر وفسوق وعصيان على كاهل القدر الذي أساء فهمه، تجيب عنا بما يبرز العدل الإلهي في أسمى معاني العدل، ويصور الحكمة الإلهية في أسمى معاني الحكمة: " سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء " يستدلون بشركهم وتحريمهم ما حرموا على ان الله رضيه وأمر به أو على أنهم كانوا بمشيئته شركهم وتصرفهم، مجبورين على الشرك والتحريم، فهم قد فهموا أن المشيئة إما آمرة طالبة، أو قاهرة مدبرة، وعلى كلا الوجهين فهم يرون بزعمهم هذا أنهم معذورون ولا ذنب لهم في الشرك ولا في التحريم، وقد حكى الله عنهم في سورة النحل، وفي سورة الزخرف ـ وهما قد نزلتا بعد سورة الأنعام، أنهم قالوا ذلك بالفعل (1).
وهذه شبهة لا يزال أثرها عالقا بالنفوس إلى اليوم، يعتذر بها المفسدون ويجادل بها المبطلون، وقد ردتها السورة عليهم من جهات، ردتها بأن أمثالهم السابقين قد كذبوا الرسل فأشركوا بالله، وحرموا ما لم يحرمه الله، واعتذروا بالمشيئة كما اعتذروا، ومع ذلك عاقبهم الله على شركهم، فلو كانت الشبهة حقا لما عاقبهم الله على ما ارتكبوا بناء عليها " كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا " وردت عليهم بطلب ما يثبت صحة ما يدعون من رضى الله بالشرك أو قهرهم عليه " هل عندكم من علم فتخرجوه لنا " وهو في واقعه نفي لأن يكون عندهم ما يثبت ذلك، ومن ضرورة نفي العلم بما يثبته أنهم ما اتبعوا فيه إلا محض الظن الناشئ عن التخمين والوهم " إن تتبعون إلا الظن وإن أ نتم إلا تخرصون ".
وردت عليهم بأن العلم الحق الذي يجب أن تتلقوه هو ما تضمنته آيات الله من حجته البالغة " قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين " والحجة البالغة
ــــــــــ
(1) انظر الآية 35 من سورة النحل، والاية 21، 22، من سورة الزخرف.