/ صفحه 27/
وهذا كما جاء في موضع آخر حيث يقول الله عزوجل: ((وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا)) ومصداقه من السيرة ما روى من قول بعض هؤلاء الجاحدين: ((تنازعنا نحن وبنو عبدمناف الشرفَ، أطعموا فأطعمنا، وحمَلوا فحملنا، وأعطوْا فأعطينا، حتّى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسَىْ رهان قالوا منا نبىّ يأتيه الوحى من السماء فمتى ندرك هذه؟ والله لا نؤمن به أبداً ولا نصدقه!)).
ثم ضرب الله تعالى لنبيه مثل الرسل من قبله حيث صبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى جاءهم نصرالله، فكان ذلك بشارة قرت بها عينه، وثلج لها صدره وعقب ذلك بأن هذه سنة الله في الرسل وكلماته التي لا مبدل لها ((ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين)) وشبيه بهذا قوله تعالى في آيات أخرى: ((ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين، إنهم لهم المنصورون، وإن جندنا لهم الغالبون)).
وقد جاء في مواضع أخرى من القرآن الكريم أن هذه السنة ليست خاصة بالرسل، وإنما هي عامة في المؤمنين المصلحين، إذ يقول الله عزوجل: ((إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد)). ((ولينصرن الله من ينصره)). ((وكان حقاً علينا نصر المؤمنين)).
فكما أن هذا كان تبشيرا للنبي، واستلا لبواعث الحزن من نفسه، ينبغى أن يأخذه كل مصلح مؤمن داع إلى الله، بشرى يثبت بها فؤاده، ويقوى بها عزمه، ويسير بنورها وهداها في طريقه منتظراً النصر من ربه وإن تحالفت عليه الأعداء وكثرت في سبيله العقبات، فإن الإخلاص يذلل الصعاب، ويفتح الأبواب، وإن الله مع الصابرين.
ولقد شاءالله تعالى أن يحسم كل أثر من آثار حزنه صلى الله عليه وآله وسلم، وأن ينقذه من ترقبه لآية من الآيات التي كانوا يطلبونها ليؤمنوا به، حيث كانوا يقولون: ((لولا أنزل عليه آياته من ربه)) فقال له عزوجل: ((وإن كان كبر عليك إعراضهم...)) الخ. والمعنى لسنا بمجيبى هؤلاء إلى ما يطلبون من الآيات فإن كان إعراضهم قد كبر عليك وأهمك إلى هذا الحد، فانظر ما ذا تستطيع أن