/ صفحه 230/
الأنظار في سبيل ذلك التمهيد أيضاً إلى خطوة ثانية، تتعلق بالموازنة بين سورة الأنعام وسور أربع شاركتها في المكية، كما شاركتها في الافتتاح بإثبات الحمد لله، وهن: سورة الفاتحة، وسورة الكهف، وسورة فاطر، وقد أطلقنا على هذه السور المبدوءة بإثبات الحمد لله، عنوان: " سور الحمد في القرآن الكريم ".
عود إلى سور الحمد في القرآن: مظهر الربوبية
في الخلق والإيجاد، وفي الهدى والارشاد:
ولعلنا نذكر أننا عرضنا لهذه الموازنة ونحن بصدد الحديث عن الآية الأولى من سورة الفاتحة (1)، وأن ما كتبنا هناك يتضمن أن لله في خلقه أنواعاً من التربية.
أولاها: تربية خلقية جسمية، أساسها الخلق والإيجاد، والتسوية والتصوير: " ولقد خلقناكم ثم صورناكم ". " فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك ". " ثم سواك رجلا " … إلى آخر الأمثال. وقد أمد الله هذه التربية بتهيئة ما يحفظها ويقويها ويقيها، فيسر وسائل الغذاء والكساء والإيواء.
وثانيتها: تربية خلقية عقلية، أساسها منح قوى التفكير والإدراك الانساني العام التي بها يميز الإنسان الخير من الشر، والنافع من الضار، ويسير بها في الحياة التي سخرت له على ضوء تلك المنحة الإلهية التي فضل بها على كثير من الخلق ومنح مركز الخلافة في الأرض وكان عند ربه أهلا للخطاب الإلهي والمسئولية أمامه يوم البعث والجزاء " والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ".
وثالثتها: تربية تشريعية، أساسها الأحكام والنظم التي أوحى بها إلى رسله، وأنزلها في كتبه، وبها ترسم الحدود، وتتضح السبيل التي يرتضيها الله لعباده، وبها ينكشف ما لا يسلم الإنسان باعتبار ما ركب فيه من قوى الشهوة

ــــــــــ
(1) انظر صفحات 115 ـ 118 من العدد الثاني للسنة الأولى من رسالة الإسلام.