/ صحفة 393 /
الأغراض الأخرى، ولقد أضاف بعضهم إلى وجوه إعجاز القرآن تميزه من الشعر بأن القصة ما كانت لتؤثر في آي الذكر الحكيم أثرها في الشعر: فكتاب الله هو هو كتاب الله، قصة كان أو شرعا أو موعظة أو استدلالا.
قلت: هذا جدّ طَبعيّ، فما كان كلام الله جل وعلا ليتأثر بما يتأثر به كلام الناس، ولكني ما زلت أعالج أمر تأبط شرا في قصته هذه، إذا لم يكن وضعها الرواة، فلماذا هذه الأكذوبة العريضة?.
قال: ولماذا لا تعطيه أنت حريته في أن يكذب بالطول والعرض ما شاء له الكذب الطويل العريض؟.
أتحسته حكيما أو فيلسوفا أو فقيها أو ناسكا يزن مقولاته وبتأثم في منقولاته؟ أفليس هو أحد أولئك الذين قال فيهم أصدق القائلين: ((والشعراء بتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون)) ثم هو قبل هذا وبعده صعلوك خليع، يتلصص، ويرتاد الفلوات، ويألف الوحشة، أو على حد تعبيره:
يرى الوحشة الأنس الأنيس ويهتدى بحيث اهتدت أم النجوم الشوابك
استمع إلى أبي إسحق المتكلم، فله كلمة أحسبها جماع هذا الأمر، قال:
((أصل هذا الأمر وابتداؤه أن القوم لما نزلوا ببلاد الوحش عملت فيهم الوحشة، ومن انفرد، وطال مقامه في الفلاة والخلاء والبعد عن الانس استوحش، ولا سيما مع قلة الاشتغال والمذاكرين والوحدة لا تقطع أيامهم إلا بالمني وبالتفكير، والفكر ربما كان من أسباب الوسوسة، وقد ابتلى بذلك غير حاسب... وخبرني الأعمش أنه فكر في مسألة فأنكر أهله عقله حتى حَمَوه وداووه؛ وقد عرض ذلك لكثير من الهند. وإذا استوحش الإنسا مثل له الشيء الصغير في صورة الكبير، وارتاب وتفرق ذهنه، وانتقضت اخلاطه، فيرى ما لا يرى، ويسمع ما لا يسمع، ويتوهم على الشيء الصغير الحقير أنه عظيم جليل، ثم جعلوا ما تصور لهم من ذلك شعرا تناشدوه، وأحاديث توارثوها، فازدادوا