/ صفحه 258/
دور الطالبيين:
و من أهم الاحداث في خلافة المنصور، إن لم يكن أهمها، تلك الثورات التي قام بها فريق من زعماء الطالبيين. وقد بدأت في خلافة المنصور، ولم يكن لها أثر في أيام السفاح، بل لم يحدث في خلافته حدث على الطالبيين، كما لم يحدث من الطالبيين حدث عليه. وقد أقضت هذه الاحداث مضاجع الخلفاء العباسيين الاولين خصوصاً وهم يعلمون أن النفوس في كثير من الاقطار إلى خصومهم أميل، وأن الرأي العام فيها يجنح إلى تفضيل ال أبي طالب على بني العباس، وكان المنصور يعرف أن لآل أبى طالب مكانة مكينة في نفوس الجمهور لا يحلم بها أكثر العباسيين فكان يخشى ـ لذلك ـ جانبهم، ومطالبتهم بحقوقهم التي يعضدهم كثير من الناس في المطالبة بها، ومن هنا جاء حقد المنصور على الطالبيين، وقتل من قتل منهم من ساداتهم وأشياخهم الثائرين وعاملهم بقسوة منقطعة النظير. جاء في تاريخ الخفلاء للسيوطى مانصه: "و في سنة 45 كان خروج الاخوين محمد وإبراهيم ابنى عبدالله ابن حسن بن الحسن بن على، فظفر بهما المنصور فقتلهما وجماعة كثيرة من أهل البيت، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وكان المنصور أول من أوقع الفتنة بين العباسيين أو العلويين، وكانوا قبل ذلك شيئاً واحدا"(1). وقال أيضاً: "و ممن أفتي بجواز الخروج مع

ـــــــــــ
1- تاريخ الخلفاء (102)

محمد على المنصور مالك بن أنس، وقيل له: إن في أعناقنا بيعة للمنصور فقال: إنما بايعتهم مكرهين، وليس على مكره يمين".
كانت ثوارات الطالبيين مصدر قلق للطبقة الأولى من خلفاء بني العباس، وقد ألحقت بهم ما ألحقت من الاضرار البليغة بالارواح والاموال، وقد حاول قوم من المحدثين المعنيين بالتأريخ أن يعدوا ثورات الطالبيين المتوالية على أبناء عموتهم من بني العباس من جملة العوامل الفعالة في زوال الدولة العباسية، وفي هذا الرأي ما فيه من التكلف والمبالغة; لان أخطر تلك الاحداث والبثوق التي انبثقت من ناحية الطالبيين إنما وقعت في صدر الدولة العباسية وفي خلافة خلفائها الأول