/ صفحة 4/
إن التقريب بين المسلمين، والعمل على جمع كلمتهم، ولمّ شعثهم، وتطهير قلوبهم مِن الأضغان التي أورثتهم إياها الخلافات النظرية، لواجب من أهم الواجبات التي يسأل عنها المؤمنون، فإنما تقوم الأمم على الوحدة، لا على التفرق، وإنّما تكون العزة والمنعة والمهابة للذين اجتمعت قلوبهم، وائتلفوا مخلصين، وتعاونوا تعاوناً صادقاً على بلوغ قصدهم، ونجاح سعيهم، وقد قام الإسلام في أول أمره على قلوب أربعة، قلب الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقلوب الثلاثة السابقين إلى الإيمان: خديجة وعلي وأبي بكر، فكانت هذه القلوب المؤمنة المتفاهمة التي لا تقصد إلا وجه الله دعامات أربعاً لأقوى بناء إصلاحي عرفه البشر، ألم يكن جو العالم يومئذ مليئاً بسحب متراكمة وظلمات بعضها فوق بعض من الشرك والفساد والظلم والبغي والأوهام والأباطيل، فاستطاعت هذه القلوب ان تبدّد السحب، وتشق الظلمات، وتهدم صروح الجاهلية صرحاً بعد صرح، فأدال الله للحق من الباطل، وللعلم من الجهل، وللفضيلة من الرذيلة، وللتوحيد من الشرك، وللهدى والرشاد، من الضلال والفساد، ألم تخر الأصنام من عليهائها ذليلة محطمة لم يغن عنها أصحابها كما لم تغن عنهم؟
أما ورب العزة إنه لو ائتلفت قلوب المسلمين في جميع شعوبهم وطوائفهم، وآمنوا حقاً بأنهم كالجسد الواحد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسدَ بالسهر والحمى، وعملوا على إصلاح شأنهم بالعلم الصحيح، والخلق الكريم، وإعداد العدة للجهاد; لقذف الله هيبتهم في قلوب أعدائهم، ولمنحهم من القوة الروحية والمادية، مثل ما منح آباءهم الأولين، ولفرت أمامهم جيوش المستعمرين كأنهم حمر مستفره فرّت من قَسوره، ولكنهم شغلوا عن هذا فلم يذكروه: شغلهم عنه النظريات الكلامية، والخلافات المذهبية، والقضايا التاريخية. وأفرادٌ في كل طائفة لا همَّ لهم إلا اَن ينبشوا عن الهنات، ويضخموا الهفوات، ويأخذوا أرباب المذاهب بأقوال عامتهم ضاربين صفحا عن تحقيق خاصتهم، كفعل ذوى المآرب من المستشرقين يحكِمون على الإسلام عامة بما يرونه من الآراء الشاذة