/ صفحة 229/
استعبدها المال، فهى لاتملكه حتى تسمح به، والاستجابة إلى النزوات عبودية للشهوات، والهلع والجزع امارة على أن ما فاتك أو أصابك كان له في حسابك قيمة أغلى من نفسك ومن صفو عيشك، فأنت تسمح بنفسك، ولا تسمح به، وتذهب في شأنه مذهب ذلك الشاعر الذي يقول:
ودعته وبودى لو يودعنى *** صفو الحياة وأنى لا أودعه
وفي القرآن الكريم ما يدلنا على أن الاصل في الإنسان هو النزوع إلى ما ركب فيه من حب المال والشهوات، وان الله جعل لمن يقاوم ذلك من نفسه ثوابا عظيما، فهو جل جلاله يريد منا أن نتعود السماحة، فننزل راضين عما تدعونا إليه النفوس لنكسب رضاه، ونفوز بثوابه: ((زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث، ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب، قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجرى من تحتها الانهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد)) .
* * *
وأما العدالة فهى أساس التوازن، والتوازن هو الشرط الذي لابد منه في صلاح كل شيء واستقامته، فمن كان يسره أن يعطى حقه فليؤد واجبه، والا أخل بالتوازن في المجتمع إن نال ما يريد، لأنه أخذ ولم يعط، وأنفق ولم يخلف، فإن لم ينل بغيته أخل بالتوازن في نفسه، لأنه يظل مألوما مكظوما ينعى سوء حظه، فلا يمضى في طريق الحياة الا بشق مائل.
ومن كان يسره أن ينصف فلينصف، وأن يرحم فليرحم، وأن يعذر فليعذر، وأن تصان له حريته فليصن حرية غيره.
وإذا رأيت امرأ يعتد برأيه غاية الاعتداد، حتى لا يرى لاحد حقا في أن يخرج عليه، فاعلم أنه قد أخل بميزإن العدالة، ذلك بأن الله وحده هو الحكم العدل الذي لا يضل ولا ينسى، ولم يضمن ذلك لاحد من خلقه الا من عصم