/ صفحة 61 /
مخصوصاً من أهل السنة، وهم فريق الحشوية الذين كانوا يحسبون من أهل السنة في ذلك العهد.
وقد مكث ذلك الخصام قائما بين أهل السنة والمعتزلة وغيرهم من الفرق الإسلامية إلى أن ظهر أبو الحسن الأشعري، وكان تلميذاً لأبي على الجبائي من المعتزلة، وقد مكث أربعين سنة يأخذ علم التوحيد عليه وعلي غيره من علماء هذه الفرقة، ثم انقلب عليهم مرة واحدة، فكان شديداً في انقلابه عليهم، إذ انقطع عن الناس في بيته خمسة عشر يوما، ثم خرج بعدها إلى المسجد الجامع بالبصرة، فصعد المنبر وقال: معاشر الناس، إنّما تغيبت عنكم هذه المدة، لأني نظرت فتكافأت عندي الأدلة، ولم يترجح عندي حق على باطل، ولا باطل على حق، فاستهديت الله تبارك وتعالى، فهداني إلى ما أودعته في كتبي هذه، وانخلعت من جميع ما كنت أعتقده، كما انخلعت من ثوبي هذا ـ وانخلع من ثوب كان عله ورمى به، ودفع الكتب للناس، فمنها كتاب اللمع، وكتاب أظهر فيه عوار المعتزلة سماه: كشف الأسرار وهتك الأستار ـ وغيرها من كتبه.
وفي رواية أنه رقى كرسيا في الجامع ونادى بأعلى صوته: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أعَرفه بنفسي، أنا فلان ابن فلان، كنت أقول بخلق القرآن، وأن الله لا تراه الأبصار، وأن أفعال الشر أنا أفعلها، وأنا تائب مقلع معنقد للرد على المعتزلة، مخرج لفضائحهم ومعايبهم.
فزادت الخصومة اشتعالا في علم التوحيد، ولا سيما أن أبا الحسن الأشعري لم يمكنه التخلص من كل آثار المعتزلة، بل بقى في مذهبه قليل من آثارهم، ولم يتخاف التأويل في بعض الآيات المتشابهة، كما كان يتجافاه القدامى من أهل السنة، فوقع بهذا بين نارين، وقامت خصومة شديدة بينه وبين المعتزلة والقدامى من أهل السنة وغيرهم، وانتصر الملك طغرلبك السلجوقي للكرامية في خراسان وغيرها من مملكته الواسعة على أتباع الأشعري، فعذبهم وشردهم ونفاهم من مملكته،