/ صفحة 386/
الربا الا ما بلغ 600 % (1) من رأس المال. بينما لو طبقنا القاعدة العربية على وجهها لتغير المعنى تغيراً تاما، بحيث لو افترضنا ربحا قدره واحد في الألف أو المليون لصار بذلك عملا محظورا غير مشروع بمقتضى النص الذي يتمسكون به.
أما القول بأن العرب قبل الإسلام لم يكونوا يعرفون الا الربا الفاحش الذي يساوى رأس المال أو يزيد عليه فانه لا يصح الا إذا أغمضنا أعيننا عما لا يحصى من الشواهد التي نقلها أقدم المفسرين وأجدرهم بالنقة. ولقد كان الشعب العبراني ـ الذي يعيش والشعب العربي في صلة دائمة منذ القدم ـ يفهم من كلمة الربا كل زيادة على رأس المال. قلت أو كثرت. وهذا هو المعنى الحقيقي والاشتقاقي للكلمة، أما تخصيصها بالربا الفاحش فهو اصطلاح أو ربى حادث، يعرف ذلك كل مطلع على تاريخ التشريع.
وبعد فاننا لا نستطيع أن نطيل الوقوف عند هذا النص الانتقالي، لأن الذي يعني رجل القانون في تطبيق الشرائع إنّما هو دورها الأخير. وقد بينا أن الدور الأخير في موضوعنا إنّما تمثله الآيات التي تلوناها آنفاً من سورة البقرة. كما رأينا أن الشريعة القرآنية تتجه كلها منذ البداية إلى استنكار كل تعويض يطلب من المقترض. أفلا يكون من التناقض أن هذه الشريعة التي تضع الاحسان إلى الفقير في أبرز موضع من قانونها والتي تحث على انظار المعسر، أوعلى ترك الدين له، تعود فتأخذ منه بالشمال ما منعته باليمين، إذ تأذن للغنى بأن يطالبه ببعض الزيادة على الدين؟
ـــــــــــ
(1) ذلك لأن الربا الذي يكون أضعاف رأس المال (بصيغة الجمع) لابد أن يصل إلى ثلاثة أمثال رأس المال، فإذا ضوعفت هذه الاضعاف الثلاثة كان ستة أمثاله، وذلك ما لم نره في معاملة أجشع المرابين، ولم نسمع به في تشريع سابق ولا لاحق، فيكون القرآن على رأيهم متخلفا عن جميع القوانين في هذا الشأن.