/ صفحه 227/
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة التحرير
حدثنا التاريخ مَوْرد اُلمثُل، ومَجْلى الذكريات والعبر، عما كان من شجاعة علماء الدين في قول الحق، وشهادة الصدق، وبذل النصح، وبيان ما أنزل الله من الكتاب، لا يشارون فيه ولا يمارون، ولا يكتمون ما فيه من الحق وهم يعلمون.
حدثنا أنهم كانوا أعزة بعزة الإيمان، يرون الله أكبر كل شيء، فلم يذلوا لمخلوق، ولم يذعنوا لجبروت، ولم يطأطئوا اْمام الباطل رأساً، ولم يغضوا على الفساد والمنكر طرفا.
حدثنا أنهم كانوا أقوياء بالتعفف عما في أيدى الناس، فكان لهم السلطان الأكبر على الناس، تكفيهم الكسرة، وتشبعهم التمرة، ولا يجدون لبطونهم سلطانا على عقولهم، ولا يثقل رءوسهم دوار الطعام الحرام تتخهم به موائد الأغنياء والمسلطين.
حدثنا أنهم كانوا يركبون الصعب من الأمر وهم عالمون بصعوبته، ويقارفون الخطر وهم أدرى الناس بخطورته، ليحق الله بهم الحق ويبطل الباطل، ويظهر دينه على الدين كله ولو كره الكافرون.
حدثنا أنهم كانوا يرون الجهاد باللسان كالجهاد بالسنان، فرضَ عين على كل قادر، وأن من تركه رغبة عنه ألبسه الله الذل وسيم الخسف ودُيِّث بالصغار.
حدثنا أن العالم الديتى كان موضع الإجلال والمهابة لا من الشعب فحسب، ولكن ممن يلون شئونه، ويتقلدون سلطان الحكم فيه. فكان رجل الدين ربما دخل على السلطان مغضبا يجرثوبه،