/ صفحه 19/
المشتعلة فلا تلبث النيران أن تعلوا كأنما تريد أن تصافح بألسنتها الحمراء أطراف السماء، ووقودها الخيام والجند والعتاد، وعندئذ يصيح الأطفال من بعيد صيحات النصر والظفر كأنهم يتلهون برؤية الصواريخ في يوم عيد.
ولم يبق في مرافق الشعب إبان معركة الخلاص أحد، فلا وزير ولا رئيس ولا مدير ولا شرطي ولا خفير، وكانت المياه ربما انقطعت عن الجيوش أياما حتى يظمأ الجند، وكان تيار الكهربا لا يكاد يسري في الأسلاك ليلة كاملة دون أن يدركه الخلل والفساد فيسود الظلام.
وهكذا جعلوا الغاصبين يقضون في ضيافتهم الكريهة ليالي سوداء رهيبة أذا أصبحوا فيها فلا يدرون هل يمسون، وإذا أمسوا فلا يدرون هل يصبحون!
وعلمت هولاندا أنها ستصلى من هذه الحرب نيرانا حامية لا طاقة لهم بها، وكانوا يحسبون أنهم صائدون فإذا هم المصيدون! أما هيئة الأمم ومجلس الأمن فقد رأت أمه صابرة مثابرة، مؤمنة بحقها قوية في نضالها، فما لبثت أن أصاخت للحق، واعترفت به لأصحابه ولو كره الغاصبون.
وأما إنكار الذات فيكفي أن نعلم أن أحد رجال الجمهورية، وأصحاب الحكم والسلطان فيها، قد أخذ من بيت الحكم إلى غياهب السجن، وألقى به زيارة في التنكيل والإرهاب مع شرذمة من أفراد الشعب، فكان قرير العين بهم، يساعدهم ويعمل معهم، وأن أحدهم طلب ذات ليلة لينفذ فيه حكم الجلد الذي أصدرته هيئة عسكرية لمخالفة عدوها عليه، فتقدم رجلان كل منهما يدعى أنه صاحب الاسم المطلوب، وكان أحدهما هو المحكوم عليه، والآخر هو ذلك الرئيس الكبير، فلم يدر رسل العذاب أيهما المطلوب، وعادوا يطلبون ممن أرسلوهم إيضاحا وتبيانا.
وإن ذلك ليذكرنا بالحادث المشابه له في تاريخ المسلمين الأولين، حيث طلب عبد الحميد الكاتب للقتل فلبي النداء رجلان، هما عبد الحميد، وصديقه الوفي عبدالله بن المقفع، كلاهما يقول: أنا عبد الحميد.
***
وإني لأذكر "الثورة المصرية" فتعروني لذكراها هزة من الفخر يعقبها الألم