/ صفحه 46 /
من ذلك يتضح أن عبارة الدولة والوطن حلت محل الدين في بعض الدول الغربية فأردنا نحن أن نقلد الغربيين في ذلك، وحاولنا فصل الدين عن الدولة، وقاومنا التربية الروحية، ولكننا لم نجد إلى الان ما يحل محل الدين أو يغني غناء التهذيب الروحي، أو يقوم مقامه، ولم تنصب لنا رمزاً مادياً من تلك الرموز التي نصبها الغربيون، فخسرنا ـ أو أوشكنا أن نخسر ـ الاثنين معاً.
لكل ثورة جامحة حد تقف عنده ثم تعتدل وتتزن، ولكل نزوة طائشة غاية ثم تثوب إلى رشدها، وتتراجع من غلوها وإفراطها، نادمة على كثير مما فرط منها، ولما ثارت أو ارتدت بعض هذه الدولة الشرقية عن الدين حاذية حذو بعض الدول الغربية توقعنا أن تندم يوماً من الأيام أو تعود إلى حظيرة الدين.
مرت بإخوان لنا في الجوار والعقيدة تجارب قاسية من هذا القبيل، وذلك في الفترة الواقعة بين الحربين العالميتين الأولى والثانية وهي فترة لا تقل مدتها عن خمسة وعشرين عاماً، وقد بلغت ثورتهم في هذه الفترة قمتها فألغيت الشريعة الإسلامية، والعادات الشرقية، وحظر التزيي بالأزياء العلمية، والكتابة بالحروف العربية، وأصبح شعارهم (وداعاً أيها الشرق) وهم يقصدون بذلك تجنب النظم والعادات والأخلاق المألوفة في الشرق واصطناع ما يخالفها في الغرب، زاعمين أن تمسكهم بعقائدهم، كان عاملاً من عوامل انحطاطهم، وتخلفهم عن مجاراة الشعوب الناهضة.
لعل الحرب الأخيرة وما أسفرت عنه من حقائق وعبر، وما أملته على البشر من دروس، وما أعقبها من انتشار القلق الروحي، واستئصال الطمأنينة من النفوس غيرت آراء كثير من الناس في كثير من نظم الحياة المألوفة لدى الغربيين والشرقيين على حد سواء، ولذلك نجد بعض هذه الشعوب الشرقية، تخشى الانحلال بعد أن تبلبلت فيها الآراء، وتغلغلت الفوضى، وتسرب إلى شبابها القلق ومالت ناشئتها إلى الانغماس في الفساد، وهذا الشعب الشرقي الذي نقصده شعب متدين وهو مدرب على الجندية، وقد ألف الخدمة في السلك العسكري، وتعوّد احتمال ما فيه من تقشف وخشونة، فلا غرو أن يشق عليه مروق كثير من شبابه، وتسكعهم