/ صفحه 29 /
والناظر في الإسلام يراه أسِّس على هذه المبادئ: فالله رب العالمين، والمؤمنون أخوة، والناس سواسية، ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره، والرسل ليسوا إلا بشراً كسائر الناس: رقى استعدادهم، وتفتحت نفوسهم فأوحى الله إليهم بتعاليمه، وبما يصلح من معاش الناس ومعادهم.
إن الدين على هذا الوضع يدعو إلى الوئام لا الشقاق، وإلى الحب لا الخصام، وإلى عمل الخير لا عمل الشر، وإلى الإكثار من الخير وتلافي الشر ـ إن كان هذا فما أعجبنا من خصام يكون بين الدين الواحد. لقد كان حرياً أن لا يكون خصام بين الأديان المختلفة، فكيف بأهل دين واحد ؟! لقد تبين الرشد من الغي، وتبين أن للإسلام أصولا وفروعاً، وأن أصول الإسلام إيمان بالله وإيمان بحياة أخرى وإيمان برسله، فمن اعتنق هذه الأركان كان مؤمناً وكان مسلماً، وهذه الأركان هي لبُّ الدين. فالخلاف في الفروع خلاف لا يصح أن يكون مثار حرب ولا نزاع ولا عداء، ولئن صح أن يكون خلاف فخلاف يقتصر على المنطق وتبادل الآراء وإقامة حجة أو بطلان حجة، ولا يصح أن يتعدى هذا. فما أعجب قوماً لهم رب واحد، ورسول واحد، وكتاب واحد، يتنازعون في الفروع هذا التنازع العقيم ثم يكفّر بعضهم بعضاً، ويلعن بعضهم بعضا، ويلجأون إلى السلاح في إقامة الحجة، وما كان السلاح يوماً إحدى الحجج ولا وسيلة للإقناع.
إنما نشأ هذا عن ضيق في النظر، وتعصب أعمى، وفساد في الذوق، وانحراف عن أصول الدين، وسياسة تعتمد على التفريق، وجهالة تتجر بالجهل، ولئن صح هذا في العصور المظلمة والعصور الجاهلة، فلا يصح في هذا العصر المستنير العاقل، ولئن صح أن يصدر هذا الخلاف عن أهل دين يقولون بالتعديد فلا يصح عن أهل دين يقولون بالتوحيد !.