[ 25 ] جلاله لم يجعل بناء الأرض وتدبير انشائها الى ملائكته ولاغيرهم من خاصته، وتولاها بيد قدرته ورحمه، وملأها من كنوز حمله وعفوه ورأفته. فاذكر ايها الانسان المتشرف بنور الالباب، المعترف بالاقرار برب الارباب، انه لو كنت في دار الفناء فقيرا يتعذر عليك تحصيل مسكن للبقاء، يتحصن فيه من حر الصيف وبرد الشتاء وما معك ثمن ولا اجرة العمارة للبناء. فرحمك سلطان سلطان ذلك الزمان، وبنى لك مسكنا بيده وملأه مما يحتاج إليه من الاحسان، وما اتعب لك فيه قلبا ولا جسدا ولاقدما ولايداولا اهلا ولاولدا، بل عمره، وانت ما عرفت ذلك السلطان ولا خدمته، ثم دعاك لتسكن فيما عمره بيده لك، فسكنته ووجدته قد ملأه من ذخائر العناية بك. فكيف كان يكون محبتك لذلك السلطان العظيم، ومراقبتك لحقه الجسيم، واعترافك باحسانه العميم، فليكن الله جل جلاله عندك على اقل المراتب، مثل ذلك السلطان الملوك لربك جل جلاله، الذى هو أصل الواهب. اقول: وليكن كل يوم يأتي فيه وقت انشاء المسكن الجديد كيوم العيد، معترفا لمولاك المجيد بحقه الشامل للعبيد، وكن مشغولا رحمك الله ذلك اليوم وغيره بالشكر له جل جلاله والتمحيد والتمجيد. واياك وان يمر عليك مثل هذا اليوم وأنت متهاون بقدره ومتغافل عن مولاك وعظيم شأنه ومتشاقل عن واجب شكره، فسقط من عين عنايته وتهون، وتدخل تحت ذل ذمة جل جلاله لك في قوله: (وكم من آية في السموات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون) 1. وتذكر رحمك الله انك لو احتجت الى فراش في دراك وبساط تجلس عليه لمسارك، ففرش لك ذلك الفراش وذلك البساط بيدك، كيف تكون في المراقبة والمحبة والخدمة له بنفسك وما لك ولسايك وأهلك وولدك، فلا يكن الله جل جلاله عندك دون هذه الحال، وقد بسط لك الارض فراشا وجعل لك فيها معاشا. ________________________________________ 1 - يوسف 1 5. (*) ________________________________________