[ 63 ] بكثرة الشكر فان الشكر يبقى السابق ويجلب اللاحق، بدليل قوله تعالى: لئن شكرتم لازيدنكم (1) فان قيل: ان هذه الاية تدل على ان الشكر سبب لزيادة اللاحق ولا تدل على كونه سببا لبقاء السابق ؟ قلنا: هذا ممنوع فان زيادة اللاحق تستلزم بقاء السابق، فالدلالة على الزيادة تسلزم الدلاله على البقاء، فافهم. 95 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: إذ قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكر القدرة عليه. أقول: يعنى ان القدرة على قهر العدو نعمة، والشكر على النعمة واجب، والعفو لكونه مما أمر به الشارع من جملة الشكر فإذا أردت الشكر على هذه النعمة فالاولى ان تشكر بالعفو عنه، فانه أمر مرغوب في نفسه، سبب لارتفاع شأن صاحبه كما حكى أن داود النبي - عليه الصلوة والسلام - سأل كلاما من أبنائه في آخر حياتة وهو: إذا أذنب أحد كيف تعاقبه ؟ - فأجاب كل واحد منهم وقال: أعاقبه على قدر ذنبه، ثم سأل سليمان النبي عليه الصلوة والسلام عنه فأجاب هو وقال: عفوته، ثم سأل فقال: فان عاد فكيف تفعل ؟ - فقال: عفوته، ثم قال: فان عاد فكيف تفعل ؟ - فقال: عفوته، ثم بعد مرات كثيرة من السؤال والجواب قال سليمان: عفوت حتى يستحى ان يعود الى ذلك الذنب، فدعا له داود عليه السلام وقال: أنت أحق بالحكومة والسلطنة وأليق بالجلوس في سرير الخلافة، والله أعلم بالصواب. 96 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: ما أضمر أحد شيئا الاظهر في فلتات لسانة وصفحات وجهه. أقول: يعنى لا تظن انك تضمر معنى في قلبك ولم يطلع علية احد فانه أمر ________________________________________ (1) - من آية 7 سورة ابراهيم وتمام الاية كذا " واذ تأذن ربكم لئن شكرتم لا زيدنكم ولئن كفرتم ان عذابي لشديد ". ________________________________________