طيره وهفا حلمه، وقد طاش وقاره.. فإذا قيل: قد خفض جناحه، فإنّ المراد به وصف الإنسان بلين الكنف والكظم عند الغضب، وذلك ضدّ وصفه بطيرة المُغضب ونزوة المتوثّب..»[398]. وقال في قوله تعالى: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ..)[399]: «هذه استعارة عجيبة وعبارة شريفة، والمراد بذلك الإخبات للوالدين، وإلانة القول لهما، والرفق واللطف بهما. وخفض الجناح في كلامهم عبارة عن الخضوع والتذلّل، وهما ضدّ العلوّ والتعزّز; إذ كان الطائر إنّما يخفض جناحه إذا ترك الطيران، والطيران هو العلوّ والارتفاع، وقد يستعار ذلك لفرط الغضب والاشتطاط..». ثم قال: «وإنّما قال تعالى: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ..) ليبيّن أنّ سبب الذلّ هو الرحمة والرأفة، لئلاّ يقدّر أنّه الهوان والضراعة! وهذا من الأغراض الشريفة والأسرار اللطيفة..»[400]. نعم، حاول أهل الجمود الفكري ـ مبلغ جهدهم الضئيل ـ أن يحطّوا من عظمة بلاغة القرآن، وينزلوا به إلى مرتبة أدون كلام، فيخلعوا عنه كلّ براعة وبداعة في مجال الإفادة والبيان، لكنّهم كما قال المتنبّي: والنجم تستصغر الأبصارُ رؤيته *** والذنب للطرف لا في النجم في الصغر إنّهم عجزوا عن إدراك فضيلة الكلام، حيث أعشى بصرهم روعتها! ومن ثَمَّ تجاهلوها وتغافلوا عنها، وكما قال الآخر: النجم فوق السماء ليس بذي صغر *** وإن رأته عيون الناس في صغر