المنابر، ولم يجسر أحد منهم قط على المساس بورعه وتقواه ورعايته لأحكام الدين في أصغر صغيرة يباشرها المرء سرّاً أو علانية، وحاولوا أن يعيبوه بشيء غير خروجه على دولتهم، فقصرت ألسنتهم وألسنة الصنائع والأُجراء دون ذلك. فكيف يواجه مثل هذا الرجل خطراً على الدين في رأس الدولة وعرش الخلافة مواجهة الهوادة والمشايعة والتأمين ؟ ! وكيف يسام أن يرشح للإمامة من لاشفاعة له ولا كفاية فيه إلاّ أنّه ابن أبيه ؟ ! لقد كان أبوه معاوية على كفاءة ووقار وحنكة ودراية بشؤون الملك والرئاسة، وكان له ـ مع هذا ـ نصحاء ومشيرون أُولو براعة وأحلام تكبح من السلطان ما جمح وتقيم ما انحرف وتملي له فيما عجز عنه. وهذا ابنه القائم في مقامه لا كفاءة ولا وقار ولا نصحاء ولا مشيرون، إلاّ من كان عوناً على شرٍّ أو موافقاً على ضلالة ! فما عسى أن تكون الشهادة له بالصلاح للإمامة إلاّ تغريراً بالناس وقناعة بالسلامة أو الأجر المبذول على هذا التغرير. ثمّ هي خطوة لا رجعة بعدها إذا أقدم عليها الحسين بما أُثر عنه من الوفاء وصدق السريرة. فإذا بايع يزيد فقد وفى له بقيّة حياته كما وفى لمعاوية بما عاهده عليه، ولا سيـّما حين يبايع يزيد على علم بكلٍّ نقيصة فيه قد يتعلّل بها المتعلّل لنقض البيعة وانتحال أسباب الخروج. فملك يزيد لم يقم على شيء واحد يرضاه الحسين لدينه أو لشرفه أو للأُمة الإسلاميّة. ومن طلب منه أن