[ 203 ] إلى آخره. وأنت - أيها اللبيب أرشدك الله عزوجل وزادك بصيرة وفهما - إذا تأملت هذا الاستدلال منه قطعت بجهله وبخلطه في خبطه، وعلمت بذلك سوء فهمه وخيالاته الفاسدة، ومن نفس الدليل تعلم ذلك. فإنه تخيل بذهنه الجامد وخياله الفاسد: أن منع الزيارة والسفر إليها من المحافظة على التوحيد، وأن الزيارة تؤدي إلى الشرك وعبادة الأوثان. وهذا خيال فاسد، لأن اتخاذ الصور مساجد وعيدا والعكوف وتصوير الموتى فيها، هو المحذور، والمؤدي إلى الشرك عند تطاول الزمان، وهذا هو الممنوع منه، كما هو مصرح به في الأحاديث الصحيحة في قوله عليه الصلاة والسلام: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذر ما صنعوا. وفي قوله - عليه الصلاة والسلام - لما أخبر بكنيسة بأرض الحبشة، قال: (أولئك إذا مات منهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا، ثم صوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله عزوجل). فهذا هو الذي حذر منه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم. وأما الزيارة والسلام على الميت والدعاء له وعنده، فلم يؤد إلى ذلك ولا له تعلق بتلك الأمور. ومن تخيل ذلك فهو من سوء فهمه في هذا الأمر الواضح. ولو كان يؤدي إلى ذلك لما شرعه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم. وأبلغ من ذلك لما أمره الله - عزوجل - بالخروج إلى قبور الشهداء الذين أكرمهم بالشهادة، حين نزل عليه جبريل عليه السلام، وأمره بأمر الله تعالى بالخروج إلى بقيع الغرقد، بل كان نهاه أن لو أراد الخروج. وأيضا فإنه - عليه الصلاة والسلام - قال: (زوروا القبور) كما رواه مسلم ________________________________________