[ 233 ] الكلام، نخوة وتجبرا، وتعظما وإعجابا، فمشى حتى صار مستويا مع أبيه على الفراش. فقال هارون: ما تقول أي بني، فإني أريد أن أعهد إليك ؟ فقال: يا أمير المؤمنين ومن أحق بذلك مني، وأنا أسن ولدك، وابن قرة عينك. فقال هارون: اخرج يا بني، ثم قال لزبيدة: كيف رأيت ما بين ابني وابنك ؟ فقالت: ابنك أحق بما تريد، فكتب عهد عبد الله المأمون، ثم محمد الامين بعده (1). فلما كان سنة خمس وتسعين مئة (2)، توفي الرشيد رحمه الله، وعبد الله المأمون خارج عن العراق (3)، وكان وجهه أبوه بالجيوش إلى بعض الفرس لشئ بلغه عنهم، فلظ (4) بمحمد الامين قوم من شرار أهل العراق. فقيل له: معك الاموال والرجال والقصور، فادفع في نحر أخيك المأمون، فإنك أحق بهذا الامر منه (5)، وأعانته على ذلك أمه زبيدة، فقدم أخوه عبد الله من بغداد (6)، ومعه ________________________________________ (1) كذا بالاصل، وهو تحريف ظاهر. وثمة اتفاق بين المؤرخين على أن الرشيد بايع لعبد الله المأمون بعد أخيه محمد الامين، ثم بايع لابنه القاسم بولاية عهد المأمون. كان الرشيد يرى بالمأمون رجل الدولة الرصين، وقد قال فيه: ان فيه لحزم المنصور وشجاعة المنصور. وكان يقول في الامين: إن وليت محمدا مع ركوبه هواه وانهماكه في اللهو واللذات خلط على الرعية، وضيع الامر، حتى يطمع فيه الاقاصي من أهل البغي والمعاصي. وبعد مداولات بين الرشيد ومستشاريه وقواده وتدخل زبيدة الفاعل بايع محمدا بولاية عهده وتصيير عبد الله من بعده. وفي سنة 186 حج الرشيد، ولما وصل إلى مكة ومعه أولاده والفقهاء والقضاة والقواد كتب كتابا أشهد فيه على محمد الامين بالوفاء للمأمون، وكتب كتابا للمأمون عليه الوفاء للامين، وعلق الكتابين في الكعبة، وجدد العهود عليهما في الكعبة (نسخة الكتابين في الطبري 10 / 73 واليعقوبي 2 / 416. وانظر مروج الذهب 3 / 432 الاخبار الطوال ص 389 - 390 ابن الاثير 4 / 63 - 64). (2) ثمة إجماع في مصادر ترجمته على وفاته سنة 193. قال خليفة في تاريخه ص 460 مات بطوس من أرض خراسان ليلة السبت غرة جمادى الآخرة سنة 193 وهو ابن أربع وسبعين سنة. وبعد موت الرشيد بويع لمحمد الامين، قال في مروج الذهب: في اليوم الذي مات فيه الرشيد. (3) كان المأمون بمرو، لما جاءه خبر موت الرشيد. (4) لظ به: اتصل به وتقرب إليه. (5) كذا بالاصل. (6) كذا بالاصل، وقد مر أن المأمون كان ببعض نواحي خراسان - مرو -. وقد ذكرت المصادر التاريخية أن الخلاف بين الاخوين الامين والمأمون بدأ عندما أحس الرشيد من خلال علاقات ولديه ببعضهما البعض، وبطانة كل منهما بأن الحال لن يستقيم بينهما فعمد إلى تجديد العقود بينهما وكتابة العهود عليهما وتعليقها في الكعبة، وقد قال الناس يومذاك أنه قد ألقى بينهما شرا وحربا. وقد عبر رجل من هذيل عن تخوف الناس من شر العاقبة قال: (*) ________________________________________