[ 224 ] فوالله ما زلت أعرفها فيه، وأراها ظاهرة منه إلى الثالث من يومه ذلك، فإني لفي مقعدي ذلك بين يديه، أكتب توقيعات في أسافل كتبه لطلاب الحاجات إليه، فقد كلفني إكمال معانيها بإقامة الوزن فيها، إذ وجدت رجلا ساعيا إليه، حتى ارتمى مكبا عليه، فرفع رأسه وقال: مهلا ويحك، ما اكتتم خير، ولا استتر سر (1). قال له: قتل أمير المؤمنين الساعة جعفرا. قال: أو فعل ؟ قال: نعم، فما زاد أن رمى بالقلم من يده، وقال: هكذا تقوم الساعة بغتة. قال سهل: فلو انكفأت السماء على الارض ما تبرأ منهم الحميم، أو استبعد عن نسبهم القريب، وجحد ولاءهم المولى، واستعبرت (2) لفقدهم الدنيا، فلا لسان يخطر بذكرهم، ولا طرف ناظر يشير إليهم، وضم يحيى وبقية ولده الفضل، ومحمدا وخالدا بنيه، وعبد الملك ويحيى وخالدا بني جعفر بن يحيى، والعاصي ويزيد (3)، ومعمرا بني الفضل بن يحيى، ويحيى وجعفرا وزيدا، بني محمد بن يحيى، وإبراهيم ومالكا وجعفرا وعمرا بني خالد بن يحيى، ومن لف لفهم، أو هجس بنفسه أمل فيهم. قال سهل: وبعث إلي الرشيد فوالله لقد أعجلت عن النظر، فدخلت ولبست ثياب أحزاني، وأعظم رغبتي إلى الله الاراحة بالسيف، وإلا نعيت كما نعي جعفر (4) فلما دخلت عليه، ومثلت بين يديه، عرف الذعر في تجريض (5) ريقي، والتمايد في طريقي، وشخوصي إلى السيف المشهور ببصري. فقال هارون: إيها يا سهل، من غمط نعمتي، واعتدى (6) وصيتي، وجانب موافقتي أعجلته عقوبتي. فوالله ما وجدت جوابها حتى قال: ليفرخ روعك، وليسكن جأشك، ولتطب نفسك، ولتطمئن حواسك. فإن الحاجة إليك قربت منك، وأبقت عليك بما يبسط منقبضك، ويطلق معقولك، فاقتصر (7) على الاشارة قبل اللسان، فإنه الحاكم الفاصل، والحسام الناصل، وأشار إلى مصرع جعفر وهو يقول: ________________________________________ (1) في العقد: شر. (2) في العقد: ولقد اعتبرت. (3) في العقد: " ومزيدا ". (4) في العقد: وألا يعبث بي عبث جعفر. (5) في العقد: " تجرض " تجرض الريق ذهاب. (6) في العقد: وتعدى. (7) في العقد: فما اقتصر على الاشارة دون اللسان. (*) ________________________________________