[ 196 ] والاخذ بما يشبهكم، وأولى الناس بلزوم الطاعة، والمناصحة في السر والعلانية لمن استخلفه الله عليكم. قال مالك: فقلت: يا أمير المؤمنين، قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) فقال أبو جعفر: على ذلكم أي الرجال أنا عندكم ؟ أمن أئمة العدل، أم من أئمة الجور ؟ فقال مالك: فقلت: يا أمير المؤمنين، أنا متوسل إليك بالله تعالى، وأتشفع إليك بمحمد صلى الله عليه وسلم وبقرابتك منه، إلا ما أعفيتني من الكلام في هذا. قال: قد أعفاك أمير المؤمنين. ثم التفت إلى ابن سمعان فقال له: أيها القاضي ناشدتك الله تعالى، أي الرجال أنا عندك ؟ فقال ابن سمعان: أنت والله خير الرجال يا أمير المؤمنين، تحج بيت الله الحرام، وتجاهد العدو، وتؤمن السبل، ويأمن الضعيف بك أن يأكله القوي، وبك قوام الدين، فأنت خير الرجال، وأعدل الائمة. ثم التفت إلى ابن أبي ذؤيب فقال له: ناشدك الله، أي الرجال أنا عندك ؟ قال: أنت والله عندي شر الرجال، استأثرت بمال الله ورسوله، وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين، وأهلكت الضعيف، وأتعبت القوي، وأمسكت أموالهم، فما حجتك غدا بين يدي الله ؟ فقال له أبو جعفر: ويحك، ما تقول ؟ أتعقل ؟ انظر ما أمامك. قال: نعم، قد رأيت أسيافا، وإنما هو الموت، ولا بد منه، عاجله خير من آجله. ثم خرجا وجلست. قال: إني لاجد رائحة الحنوط عليك. قلت: أجل، لما نمي إليك عني ما نمي، وجاءني رسولك في الليل، ظننته القتل، فاغتسلت وتطيبت، ولبست ثياب كفني. فقال أبو جعفر: سبحان الله ما كنت لاثلم (1) الاسلام، وأسعى في نقضه أو ما تراني أسعى في أود الاسلام، وإعزاز الدين. عائذا بالله مما قلت يا أبا عبد الله، انصرف إلى مصرك راشدا مهديا، وإن أحببت ما عندنا، فنحن ممن لا يؤثر عليك أحدا، ولا يعدل بك مخلوقا. فقلت: إن يجبرني أمير المؤمنين على ذلك فسمعا وطاعة، وإن يخيرني أمير المؤمنين اخترت العافية. فقال: ما كنت لاجبرك، ولا أكرهك، انقلب معافى مكلوءا. قال: فبت ليلتي، فلما أصبحنا أمر أبو جعفر بصرر دنانير، في كل صرة خمسة آلاف دينار، ثم دعا برجل من شرطته فقال له: تقبض هذا المال، وتدفع لكل ________________________________________ (1) أثلم: أكسر، أو أجعل في الاسلام شرخا أو ثلما بقتلك. (*) ________________________________________