[ 75 ] إدراك ذاته وصفاته المقدسة بأمر بسيط أو بمركب من أجزاء المهية، وثانيهما وصفه بصفات الخلق مثل النهاية المحيطة بذي مقدار كالجسم والجسمانيات ومثل التركيب والحدوث والتنقل من حال إلى حال وغيرها، ولم يلزم شئ من ذلك من الكلام المذكور ولم أثبته (ولكني أثبته) أي أثبت وجوده بنفي الإبطال والتشبيه وثبوت احتياج الخلق واضطرارهم إليه، وإثبات وجوده لا يقتضي حصول حقيقة ذاته وصفاته في الذهن واتصافه بصفات الخلق، ووجوده ليس أمرا مغايرا لذاته فكما أنا لا نعلم حقيقة ذاته كذلك لا نعلم حقيقة وجوده فلم يقع تحديده بالوجود أيضا (إذ لم يكن بين النفي والإثبات منزلة) هذا دليل على قولنا أثبته يعني ليس بين النفي والاثبات واسطة وهذا من أجلى الضروريات إذا أبطلنا النفي تحقق الإثبات بالضرورة. (قال له السائل: فله إنية ومائية ؟) أي فله وجود وحقيقة (قال: نعم لا يثبت الشئ) في الأعيان (إلا بإنية ومائية) (1) لا يقال فعلى هذا يقع المشابهة بينه وبين خلقه في الوجود المشترك بينهما لأنا نقول: المراد بالوجود مبدء الآثار ومبدء الآثار فيه جل شأنه هو ذاته المقدسة الحقة الأحدية المنزهة عن التكثر والتعدد مطلقا وفي الخق أمر زايد على ذواتهم عارض لها موجب لحصولها في الأعيان وهو الذي يعبر عنه بكونهم في الخارج سواء كان متحققا فيه أو أمر اعتباريا محضا منتزعا من المهيفات على اختلاف القولين (2) فعلى هذا لا تشارك بينه وبين خلقه في الوجود إلا باعتبار الاسم كما في العالم والقادر وسائر الأسماء المشتركة لا يقام: هذا لا ينفع لوقوع التشابه حينئذ بينه وبين وجود الأشياء في كون كل منهما مبدء للآثار لأنا نقول: هو مبدء الآثار بحيث لا يحتاج في ________________________________________ = الحجر، وكل واحد منهما ممتاز عن الآخر بماهيتهما ومعناهما وإن كل الوجود مشتركا بينهما ولو لم يكن اختلاف الماهية لترتب خواص الشجر على الحجر وبالعكس فالوجود في ذاته مع قطع النظر عن الماهيات غير محدود أي يترتب عليه جميع الآثار وإنما يتحدد آثاره بعروض الماهية ومفاد سؤال الزنديق أنك إذا أثبت وجوده تعالى فقد أثبت له حدا إذ كل موجود له آثار تترتب عليه خاصة ولا تترتب تلك الآثار على غيره فكل موجود محدود والجواب أن إثبات وجوده تعالى لا يستلزم إثبات المحدودية له إذ يتعقل أن يثبت وجود يترتب عليه جميع الآثار ويفيض منه جميع الكمالات فيكون غير محدود وهذا يشبه ما أثر عن بعض الحكماء أن بسيط الحقيقة كل الأشياء. ويتوجه هنا رد سؤال وهو أن الله تعالى هل هو محدود الوجود إلا أنا لا نعلم حده أو ليس بمحدود أصلا، والجواب الصحيح أنه ليس بمحدود أصلا إذ لا ماهية له لا أنه محدود ولا نعلم حده كما يقول به من قال له ماهية مجهولة الكنه. وقال صاحب المنظومة: الحق ماهيته إنيته * إذ مقتضى العروض معلوليته فهو نفس حقيقة الوجود وأصل التحقق لا شئ له التحقق وعرض له الوجود. (ش) 1 - قوله " لا يثبت الشئ إلا بإنية ومائية " لا ينافي ما يقال من أن وجوده عين ماهيته. (ش) 2 - قوله " على اختلاف القولين " يعني بهما أصالة الوجود وأصالة الماهية. (ش) ( ________________________________________