[ 49 ] اثنين متفقين من كل جهة في استدعاء كل فرد من الممكن من حيث الوجوب الذاتي والطباعي الإمكاني فرجة ما بينهما إذ امتياز الممكنات باستناد بعضها إلى أحدهما وبعضها إلى الآخر يحتاج إلى إله يفيد التميز والاستناد لامتناع الترجيح من جهة الأولين لفرض اتفاقهما من كل جهة وذلك الإله الثالث الذي هو مصدر التميز والاستناد هو المراد بالفرجة بينهما ثم بمقتضي طباع الوجوب: الإمكان يكون نسبة جميع الممكنات إلى الآلهة الثلاثة سواء، ولما كان كل من الأولين مع الثالث اثنين احتاج إلى فرجتين وهما إلهان آخران والأمر يتمادى إلى ما لا يتناهى. وجه الأؤلية أن فيه نظرا، أما أولا فلأن اتفاق الاثنين في جواز استناد جميع الممكنات إلى كل واحد منهما لا يقتضي امتناع استناد الترجيح والتخصيص إليهما لأنهما فاعلان بالاختيار فيفعل كل واحد منهما بعضا بمجرد إرادته واختياره ولا يفعل بعضا آخر، وهذا كما أن وجود الممكن وعدمه بالنظر إلى الواجب سواء وهو يختار أحدهما بإرادته. وأما ثانيا فلأن نسبة جمع الممكنات إليهما في جواز الصدور عنهما وإن كانت سواء لكن يجوز أن يكون كيفية النسبة متفاوتة كافتقارها إلى الواسطة ونحوها ولعل هذا القدر من التفاوت يكفي في تخصيص بعضها ببعض فلا يلزم ثبوت إله ثالث. ________________________________________ = ينفع في رد سائر الأوهام والمذاهب فهو وإلا فلا يجب التكلف لحمله على استدلال أعاظم الحكماء في التوحيد وكلام الشارحين وإن كان في غاية التدقيق فإنه غير واف بالغرض الأصلي ولا ريب أن أمثال الزنادقة يتصورون المبدء الأول غير ما لئ للفضاء سواء كان نورا أو ظلمة أو أجزاء ذي مقراطيسية أو ماء أو نارا بل يجعلونه في جانب والباقي خال مطلقا من أي شئ ثم أن الفرجة في كلام الإمام (عليه السلام) يحتمل معنيين الأول: الفرجة في الفضاء بين جسم وجسم آخر بينهما مسافة فاصلة. والثاني: المتوسط بين شيئين متضادين كاللون الأحمر والأصفر بين الأسود والأبيض، والاحتمال الثاني أقرب في الحديث لأن الفرجة في الفضاء ليس بشئ موجود عند الطبيعيين والزنادقة وأيضا لهم أن يجيبوا بأن المبدئين متلاصقان ولئن سلموا المسافة الفاصلة بين المبدئين وكونها شيئا موجودا قديما لا يلزم تسليمهم بوجود مسافة ثانية وثالثة بين هذه المسافة والجسمين، وأما النور والظلمة فإنهما متضادان يتصور بينهما فرجة ليست بالنور المحض ولا بالظلمة المحضة ولا وجه لعدم كونها واجبة مع تماثلها جميعا مثلا إذا قيل إن الأبيض والأسود قديمان ولكن الأحمر حادث من اختلاطهما فليس قوله أولى ممن يقول: إن الأحمر قديم وحصل الأبيض والأسود من تشديد وتخفيف فيه بل الأصوب أن يجعل الجميع أصلا ومن التزم بذلك لزمه القول بكون الأقتم الواقع بين الأحمر والأسود والأصفر الواقع بين الأبيض والأحمر أيضا قديمين وهكذا إلى غير النهاية فالأقرب عند الطبيعيين أن يجعل الأصل شيئا واحدا كالماء على قول ثاليس والنار على قول هراقليطوس أو أمورا غير متناهية كذيمقراطيس وأما حصر المبدء في عدد معين كالاثنين على ما اختاره المانوية أو خمسة كما هو قول الحرنانيين فيحتاج إلى مؤونة كثيرة يعجزون عنه والبرهان العقلي على التوحيد مطلقا على ما ذكره الحكماء والمتكلمون في كتبهم مشهور ولا حاجة إلى ذكره هنا. (ش) (*) ________________________________________