[ 6 ] والأسرار ومنشأ القتل هو الحسد (1) والعناد، وفيه مبالغة على التقية من الإخوان فضلا عن أهل الظلم والعدوان، فان قلت: هل فيه لوم لأبي ذر ؟ قلت: لا لأن المقصود في مواضع استعمال " لو " هو أن عدم الجزاء مترتب على عدم الشرط، وأما ثبوته فقد يكون محالا لابتنائه على ثبوت الشرط وثبوت الشرط قد يكون محالا عادة أو عقلا ________________________________________ 1 - قوله " ومنشأ القتل هو الحسد " بل هو الجهل واستيحاش كل أحد عما لم يستأنسه وخالف مرتكزات ذهنه وعادته، ولا ريب أن من نشأ على تعظيم معاوية طول عمره استوحش من سماع لعنه ونسب اللاعن إلى كل سوء والأسوأ من كل سوء في نظر المتدين الكفر فينسبه إلى الكفر ويقتله، ومن نشأ على القول بتجسم الواجب تعالى ينسب القائل بتجرده إلى الضلال والكفر وبالعكس. ومن نشأ على الاعتقاد بأن الاحتياج إلى العلة للحدوث ينسب مخالفه إلى إنكار الواجب، وبالعكس من ذهب إلى أن الاحتياج للإمكان نسب غيره إلى الكفر. إذ يقول لو جاز على الواجب العدم لما ضر عدمه وجود العالم وهكذا. وأصل الاستيحاش من عدم فهم السامع وعدم مبالاة المتكلم بإلقاء المطالب العويصة على غير المستعد. وممن رموه بالكفر والزندقة يونس بن عبد الرحمن مولى آل يقطين الذي أمر الرضا (عليه السلام) بأخذ معالم الدين عنه، وروى الكشي روايات كثيرة في ذلك منها عن أبي جعفر البصري قال " دخلت مع يونس بن عبد الرحمن على الرضا (عليه السلام) فشكى ما يلقى من أصحابه من الوقيعة، فقال الرضا (عليه السلام): " دارهم فإن عقولهم لا يبلغ "، وفي رواية عن موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: " يا يونس ارفق بهم فإن كلامك يدق عليهم "، قال: قلت: إنهم يقولون لي زنديق، قال لي: " وما يضرك أن يكون في يدك لؤلؤة فيقول الناس هي حصاة، وما ينفعك أن يكون في يدك حصاة فيقول الناس لؤلؤة " انتهى. كتب أبو جعفر الجواد (عليه السلام) إلى رجل في يونس " أحبه وأترحم عليه وإن كان يخالفك أهل بلدك " انتهى. والظاهر أن المقصود من البلد البصرة، وكتب رجل إلى الكاظم (عليه السلام) يسأله عن الزكاة: عندنا قوم يقولون بمقالة يونس، فأعطيهم من الزكاة شيئا ؟ قال فكتب إليه: نعم أعطهم " انتهى. وفي كتاب أعيان الشيعة بعد ما نقل عن بعض علمائنا أن أصحاب الأئمة عليهم السلام كانوا يقعون بعضهم في بعض بالانتساب إلى الكفر والزندقة والغلو وغير ذلك بل وفي حضورهم (عليهم السلام) أيضا، وربما كانوا يمنعون وربما كانوا لم يمنعوا لمصالح وأن هذه النسب كلها لا أصل لها فإذا كانوا في زمان الحجة بل وفي حضوره يفعلون أمثال هذه فما ظنك بهم في زمان الغيبة - إلى أن قال - إنهم لو سمعوا من أحد لفظ الرياضة وأمثال ذلك رموه بالتصرف وجمع منهم يكفرون معظم فقهائنا رضي الله عنهم لإثباتهم إسلام بعض الفرق الإسلامية، ثم قال: وبالجملة كل منهم يعتقد أمرا أنه من أصول الدين بحيث يكفر غير المقر به، بل آل الامر إلى أن المسائل الفرعية غير الضرورية ربما يكفرون من جهتها والأخباريون يطعنون على المجتهدين بتخريب الدين والخروج عن طريق الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) انتهى كلام أعيان الشيعة. وأنا أعتقد أن تكفير العقلاء والحكماء هو الذي يريده الملاحدة ويقر أعينهم به، لأن مذهبهم أن كل متدين سفيه وكل عاقل كافر وقال قائلهم: اثنان في الدنيا فذو عقل بلا * دين وآخر دين لا عقل له فمن يحكم بأن كل حكيم عاقل كافر، فهو أقوى معاون للملاحدة وأنفذ مؤيد لهم. (ش) (*) ________________________________________