[ 77 ] قوله: (لما أثبتنا) يعني بالعقل لا بالنقل لئلا يدور (1) إذ إثبات الرسول متوقف على العلم بوجود الصانع فلو انعكس لزم الدور. قوله (أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن جميع ما خلق) المراد بالخالق هو الموجد على تقدير معلوم ووزن مخصوص، وبالصانع هو الموجد على تدبير ومصالح لا تغيب عمن نظر إلى أحوال الحيوانات والنباتات والجمادات وغير ذلك من المكونات وقد اشتمل على بعض ما في أعضاء الإنسان من المصالح والمنافع، علم التشريح، وبالتعالي: تعاليه عن مجانستنا ومشابهتنا وأزمنتنا وأمكنتنا، وعن مشابهة شئ من المخلوقات بشئ من الذات والصفات كل ذلك يحكم به من له عقل صريح وقلب صحيح. قوله: (وكان ذلك الصانع حكيما متعاليا لم يجز أن يشاهد خلقه ولا يلامسوه) أشار بذلك إلى الموصوف بالصفات المذكورة للتنبيه على أنه صار كالمشاهد المحسوس لأجل تلك الصفات، والحكيم: هو العالم المتقن الذي يعلم الأشياء كما هي ولا يفعل شيئا عبثا وإنما يفعه لأمر ما، وإنما قيد الصانع بالحكمة والمتعالي بعدم جواز المشاهدة والملامسة لأن جواب لما وهو ثبوت السفراء يتوقف عليها أما على الأول فلأنه لو لم يكن حكيما لجاز أن يخلق الخلق عبثا (2) ولا يراد منهم ________________________________________ 1 - قوله " لئلا يدور " لأن إثبات النبوة متوقف على إثبات الواجب تعالى فلو كان إثبات الواجب بقول الأنبياء (عليهم السلام) لزم توقف الشئ على نفسه بمراتب وقد ذكرنا مرارا في المجلدات السابقة أن الذين يحتجون لإثبات الواجب تعالى ولإثبات الحدوث بالإجماع والروايات فحجتهم دورية، وبالجملة لا ريب في أن إثبات النبوة متوقف على إثبات الله تعالى عقلا وسيأتي عن الشارح ما يخالف هذا عن قريب. (ش) 2 - قوله " لم لم يكن حكيما لجاز أن يخلق الخلق عبثا " من الأصول المقررة في مذهبنا وجوب اللطف على الله تعالى وهو فعل ما يقرب العبد الى الطاعة ويبعده عن المعصية وعليه يبتني إثبات النبوة والإمامة، ولو لم يكن اللطف لجاز أن يكون أمر التشريع مفوضا الى الناس يضعون كل حكم يرونه للعمل به في معاملاتهم وسياساتهم ولم يفوض إليهم قطعا، وقد استدل بهذا الأصل أعني اللطف هشام بن الحكم في وجوب نصب الإمام كما يأتي أن شاء الله في قصته مع عمرو بن عبيد والشامي في محضر الصادق (عليه السلام)، وقد روى العلامة المجلسي (رحمه الله) في البحار حديثا فيه فوائد كثيرة في المجلد الثالث ننقله تبركا عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " قال الله تعالى من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وما ترددت عن شئ أنا فاعله في قبض نفس المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولابد منه وما يتقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه وما يزال = (*) ________________________________________