[ 41 ] للإنسان مريد فإذا أراد الفعل الفعل وفعل كان مع الاستطاعة والحركة (1) فمن ثم قيل للعبد مستطيع متحرك فإذا كان الإنسان ساكنا غير مريد وكان معه الآلة وهي القوة والصحة اللتان بهما يكون حركات الإنسان كان سكونه لعلة سكون الشهوة فقيل ساكن فوصف بالسكون، فإذا اشتهى الانسان وتحركت شهوته التي ركبت فيه اشتهى الفعل وتحرك بالقوة المركبة فيه واستعمل الآلة التي بها يفعل الفعل فيكون الفعل منه عندما تحرك واكتسبه. فقيل: فاعل ومتحرك ومكتسب ومستطيع أولا ترى أن جميع ذلك في صفات يوصف بها الإنسان. ولعل المقصود من هذا الحديث والذي بعده أن الاستطاعة بمعنى القوة المؤثرة المأخوذة مع جميع جهات التأثير وشرائطه مع الفعل لا قبله ولا بعده، وهذا أمر متفق عليه بين الإمامية والمعتزلة والجبرية وهم الأشاعرة وإنما النزاع بينهم في أصل الاستطاعة والقدرة والكيفية المسماة بها هل هي موجودة قبل الفعل أم لا ؟ فذهب الإمامية والمعتزلة إلى الأول والأشاعرة إلى الثاني وقالوا: لا قدرة سوى هذه القدرة المقارنة للفعل، وليس في هذين الحديثين دلالة على نفي تقدم القدرة المطلقة على الفعل، وبما ذكرنا اندفع ما أورده الفاصل الأستر آبادي من أن هذا الحديث والذي بعده ليس موافقا للحق فهو من باب التقية، فان قلت: إذ كانت الجبرية قائلة بالقدرة المقارنة فأين لزمهم القول بالجبر ؟ قلت: إنهم يقولون: إذا أراد الله أن يخلق أفعالهم خلق فيهم قدرة مقارنة للفعل من غير أن يكون لقدرتهم مدخل وتأثير فيه بوجه من الوجوه وحاصله أن هناك قدرتين قدرة الله تعالى وقدرة العبد، فإذا تهيأ العبد بقدرته لإيجاد الفعل سبقت القدرة الإلهية إلى إيجاده فيوجد فأفعالهم مخلوقة مكسوبة لهم، والمراد بكسبهم مقارنة أفعالهم ________________________________________ 1 - قوله " كان مع الاستطاعة والحركة " الظاهر أن الاستطاعة في هذه الأحاديث ومصطلح المتكلمين في عصر الصادق (عليه السلام) كانت أخص مما نفهمه الآن من هذه اللفظة، فإنا لا نفرق بينها وبين الاختيار المقابل للجبر فنفي الجبر يثبت الاستطاعة إذ هما نقيضان لا يرتفعان ولا يجتمعان، وأما في عصره (عليه السلام) فكانت يراد منها شئ من لوازم التفويض ومعلوم أن الجبر والتفويض ليسا متناقضين إذ يمكن ارتفاعهما ولا ريب أن مسألة الاستطاعة مما يرتبط مع مسألة الجبر والتفويض، وبالجملة فإن حملنا الاستطاعة على الاختيار فلابد من ترك هذة الأخبار أو حملها على التقية وإن حملناها على التفويض فهي باقية بحالها ويستقيم معناها، والثاني أولى إذ لا داعي إلى اتقاء المعصوم من إبداء حكم اختلف فيه المسلمون من صدر الإسلام ويدل على ما ذكرناه كلمات في نفس هذه الأحاديث فإنه (عليه السلام) نفي الجبر صريحا ولو كانت تقية لما نفاه. (ش) (*) ________________________________________