[ 39 ] الوارد من الله وأوضح توقف الاستطاعة عليه بمثال، وإنما طلب تفسير هذا فقط لأن توقف الاستطاعة التي يعبر عنها بالفارسية ب‍ " توانائي " على الثلاثة الاول ظاهر لا يفتقر إلى تفسير (قال) مثاله (أن يكون العبد مخلى السرب صحيح الجسم سليم الجوارح) فقد حصل له جميع أسباب الاستطاعة إلا السبب فان لم يحصل له السبب بعدها لم يكن مستطيعا وإن حصل كان مستطيعا كما أشار إلى ذلك بقوله (يريد أن يزني) أي يعزم والعزم: ميل النفس إلى أحد الطرفين بعد التردد فيهما وهو يقبل الشدة والضعف ويقوى شيئا فشيئا بزيادة الشوق وتصور النفع إلى أن يبلغ الإرادة الجازمة الجامعة لشرائط التأثير المقارنة للفعل (فلا يجد امرأة) فلا يكون مستطيعا لانتفاء السبب الذي هو وجدان امرأة إذ لوجدانها مدخل في تحقق الزنا وحيث لم يجدها انتفى سبب من أسبابه (ثم يجدها) فيحصل له حينئذ الاستطاعة لتحقق جميع الامور المعتبرة في تحققها (فإما أن يعصم نفسه) من الزنا بسبب توجه لطفه تعالى إليه وأخذه بيده من غير إجبار ولابد من هذا القيد بقرينة قوله " أو يخلى " (فيمتنع) منه فيسمى مطيعا. (كما امتنع يوسف (عليه السلام)) منه مع قدرته عليه لما رآه من برهان ربه وهو اللطف منه (أو يخلى بينه وبين إرادته) لإعراضه عن اللطف بسبب متابعة القوة الشهوية (فيزني فيسمى زانيا) وفيه دلالة على أن فعل العبد بإرادته الجازمة المتعلقة به وتعلقها هو الذي سماه بعضهم بالداعي كما في شرح القديم والجديد للتجريد، ووجوب الفعل حينئذ لا ينافي إمكانه الذاتي بل تحققه كما بين في موضعه ولا اختيار الفاعل وقدرته على الترك لأن القادر المختار هو الذي يصح منه الفعل والترك قبل تعلق الإرادة الجازمة وإن وجب بعده والوجوب بالغير لو كان منافيا للقدرة والاختيار لزم أن لا يوجد فاعل مختار أصلا إذ الشئ ما لم يجب لم يوجد وحين الوجوب لا يبقى التمكن من الفعل والترك (ولم يطع الله) في صورة امتناع العبد (بإكراه) من الله وجبره على الامتناع لوقوع الطاعة بالاختيار (ولم يعصه) في صوره إمضاء إرادته وعدم امتناعه (بغلبة) أي بغلبة إرادته على إرادة الله لأن الغلبة إنما يتحقق لو أراد الله تعالى تركه حتما وأراد العبد فعله وحصل مراد العبد دون مراد الله تعالى. وأما إذا أراد الله تعالى تركه على سبيل التكليف والاختيار مع اللطف واختار العبد خلافه فلا، وما نحن فيه من هذا القبيل، فقد ثبت بذلك استطاعة العبد وقدرته على الفعل والترك وبطل القول بالجبر والتفويض. * الأصل: 2 - " محمد بن يحيى وعلي بن إبراهيم جميعا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم وعبد الله بن يزيد جميعا، عن رجل من أهل البصرة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الاستطاعة، فقال: ________________________________________