[ 31 ] باعتبار أن الجبرية والمفوضة وهم الأشاعرة والمعتزلة قائلون بالأمر والنهي، لإنا قد ذكرنا أنه يلزمهم إنكارهما وإن لم يقولوا به صريحا، وقد فسر الصدوق في كتاب التوحيد في باب أسماء الله تعالى في معنى الجبار، وصاحب العدة: الأمر بين الأمرين في قول مولانا الصادق (عليه السلام) " لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين " بالأمر والنهي حيث قالا: عنى بذلك أن الله لم يجبر عباده على المعاصي ولم يفوض إليهم أمر الدين حتى يقولوا بآرائهم ومقايسيهم، فإنه عز وجل قد حد ووصف وشرع وفرض وسن وأكمل لهم الدين فلا تفويض مع التحديد والتوصيف، إلا أنه ليس في كلام الصدوق " فلا تفويض إلى آخره " ويمكن أن يراد بالأمر والنهي ما يعم الألطاف الإلهية والتدبيرات الربانية أيضا وإليه ميل بعض الأفاضل حيث قال: المراد هنا فعل أو ترك منه تعالى يعلم جل شأنه أنه يفضي إلى صدور فعل عن العبد اختيارا ولولاه لم يصدر. والمراد بالنهي فعل أو ترك منه تعالى يعلم أنه يفضي إلى صدور ترك عن العبد اختيارا ولولاه لم يصدر. والمقصود أنه لو فوض إليهم لم يكن بيده أزمة الامور، واللازم باطل. وقال بعض العلماء: المراد أن الحكمة التي اقتضت حصرهم بالأمر والنهي تتأبى عن التفويض وهو قول المعتزلة حيث قالوا: العباد ما شاؤوا صنعوا (فقال له: جعلت فداك فبينهما منزلة ؟ قال: فقال: نعم أوسع مابين السماء والأرض) ولعل تلك المنزلة هي الحصر (1) بالأمر والنهي كما أشرنا إليه. * الأصل: ________________________________________ = التفويض بمعنى عدم الأمر والنهي وأن الذي يعترف بالتكاليف الإلهية وإثبات الثواب والعقاب على الامتثال والعصيان فهو ليس بمفوض فيرجع بناء على هذا الحديث التفويض إلى تفويض التشريع وجعل الأحكام لا إلى تفويض التكوين وهو خلاف المعلوم من مذهب المفوضة وهم المعتزلة وكتبهم دائرة مشهورة وآرائهم منقولة متواترة، والحق أن رواية الاحتجاج مرسلة لا حجة فيها فيما يحتج فيه بخبر الواحد فكيف في مثل هذه المسائل فرد معناه إلى أهله أولى والحاصل أنه لا يكفي في الخروج عن التفويض الالتزام بالتكاليف ولا يثبت به معنى الأمر بين الأمرين ويأتي في ذيل الرواية ما يؤيد المقصود (ش). 1 - قوله " ولعل تلك لمنزلة هي الحصر " قد مر أن المعتزلة لا ينكرون الأمر والنهي والثواب والعقاب فليس معنى الأمر بين الأمرين إثبات التكاليف فقط بل يجب أن يضم إليه الألطاف كما مر في حديث أبي طالب القمي والتوفيق والتأييد وتسهيل الأسباب وما يرجع إليه في الأعمال الصالحة والخذلان في المعاصي وأمثال ذلك. (ش) (*) ________________________________________