حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها وأكلوا ثمنها وإن الذي حرم الشرب حرم بيعها وأكل ثمنها وممن لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر بائعها ومشتريها .
فإن صنع الخمر في مرقه ثم طبخ لم يحل أكله ولا يحل هذا الصنع لأن فيه استعمال الخمر كاستعمال الخل وقد بينا أن هذا منهى عنه ثم الطبخ في الخمر لا يحلها ولا يغير الحكم الثابت فيها كما لو طبخها لا في مرقه ولكن لا يحد من شرب تلك المرقة لأن الغالب عليها غير الخمر وقد بينا أن المعتبر هو الغالب في حكم الحد ولأن وجوب الحد بشرب الخمر والمرقة تؤكل مع الطعام والأكل غير الشرب ولهذا لا نوجب الحد في الدردي لأنه إلى الأكل أقرب منه إلى الشرب ويكره الاحتقان بالخمر والاقطار منها في الإحليل ولا حد في ذلك .
أما الاستشفاء بعين الخمر فقد بينا أنه لا يحل عندنا .
والشافعي يجوز ذلك إذا أخبره عدلان أن شفاءه في ذلك ولا حد عليه لشبهة اختلاف العلماء رحمهم الله في إباحة هذا الفعل ولحاجته إلى التداوي ثم ما يقطر في إحليله لا يصل إلى جوفه ولهذا لا يفطره عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله والحقنة وإن كانت مفطرة فالحد لا يلزمه فيما يصل إلى جوفه من أسافل البدن لأن الحد للزجر والطبع لا يميل إلى ذلك والتمر يطبخ ويطبخ معه الكشوثا فنبذ فلا بأس به لأن ما يطبخ معه يزيد في شدته وقد بينا أن الشدة لا توجب الحرمة في المطبوخ من التمر .
ولو عجن الدقيق بالخمر ثم خبز كرهت أكله لأن الدقيق تنجس بالخمر والعجين النجس لا يطهر بالخبز فلا يحل أكله .
ولو صب الخمر في حنطة لم يؤكل حتى تغسل لأنها تنجست بالخمر فإن غسل الحنطة وطحنها ولم يوجد فيها طعم الخمر ولا ريحها فلا بأس بأكلها لأن النجاسة كانت على ظاهرها وقد زالت بالغسل بحيث لم يبق شيء من آثارها فهو وما لو تنجست ببول أو دم سواء .
فإن تشربت الخمر في الحنطة فقد ذكر في النوادر عن أبي يوسف تغسل ثلاث مرات وتجفف في كل مرة فتطهر .
وعند محمد رحمه الله لا تطهر بحال لأن الغسل إنما يزيل ما على ظاهرها فأما ما تشرب فيها فلا يستخرج إلا بالعصر والعصر في الحنطة لا يتأتى وهو إلى القياس أقرب .
وما قاله أبو يوسف أرفق بالناس لأجل البلوى والضرورة في جنس هذا فإن هذا الخلاف في فصول منها التروي إذا تشرب البول فيه واللوح والآجر والخزف الجديد والنعل في الحمام وما أشبه ذلك فإن للتجفيف أثرا في استخراج ما تشرب منه فيقام التجفيف في كل مرة مقام العصر فيما يتأتى فيه العصر فيحكم بطهارته .
ويكره أن يسقى الدواب الخمر لأنه نوع انتفاع بالخمر واقتراب منها