المسكر هو الكأس الأخير وأنه مباين في الحكم لما ليس بمسكر منه وهو كمن شرب أقداحا من ماء ثم شرب قدحا من الخمر فالمحرم عليه هو الخمر وبها يلزمه الحد دون ما سبق من الأقداح فهذا مثله .
فإن كان يسكر بشرب الكثير منه فذاك لا يدل على أنه يحرم تناول القليل منه كالبنج ولبن الفرس .
وأما الحديث فنحن نقول به وكل مسكر عندنا حرام وذلك القدح الأخير وروي عن أبي يوسف أنه قال في تأويله إذا كان يشرب على قصد السكر فإن القليل والكثير على هذا القصد حرام فأما إذا كان يشرب لاستمراء الطعام فلا فهو نظير المشي على قصد الزنى يكون حراما وعلى قصد الطاعة يكون طاعة .
وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام ما أسكر كثيره فقليله حرام هو على ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والقدح الأخير الذي هو مسكر قليله وكثيره حرام ثم هذا عند التحقيق دليلنا فبهذا يتبين أن ما هو الكثير منه يكون مسكرا فالمحرم عليه قليل من ذلك الكثير وإنما يكون ذلك إذا جعلنا المحرم هو القدح الأخير فأما إذا جعلنا الكل محرما فلا يكون المحرم قليلا من ذلك الكثير كما اقتضاه ظاهر الحديث ثم قد بينا أن هذا كان في الابتداء لتحقيق الزجر ثم جاءت الرخصة بعد ذلك في شرب القليل منه ومهما أمكن الجمع بين الآثار فذلك أولى من الأخذ ببعضها والإعراض عن بعضها ولا بأس بنبيذ التمر والبسر جميعا أو أحدهما وحده إذا طبخ لأن البسر من نوع التمر فإنه يابس العصب .
وقد بينا أن المطبوخ من نبيذ التمر شربه حلال والمسكر منه حرام وكذلك التمر والزبيب أو البسر والزبيب وهو شراب الخليطين وقد بينا الكلام فيه وبعد ما طبخ معتقه وغير معتقه سواء في إباحة الشرب يعني المشتد منه وغير المشتد منه والمحرم المسكر منه وذلك بغير المشتد لا يحصل ولو حصل كان محرما أيضا بمنزلة الأكل فوق الشبع ولا بأس بهذه الأنبذة كلها من العسل والذرة والحنطة والشعير والزبيب والتمر وكل شيء من ذلك أو غيره من النبيذ عتق أو لم يعتق خلط بعضها ببعض أو لم يخلط بعد أن يطبخ أما الكلام في نبيذ التمر والزبيب فقد بيناه وأما في سائر الأنبذة ففي ظاهر الجواب لا بأس بالشرب منه مطبوخا كان أو غير مطبوخ .
وفي النوادر روى هشام عن محمد رحمهما الله أن شرب النيء منه بعد ما اشتد لا يحل لقوله عليه الصلاة والسلام الخمر من خمسة من النخل والكرم والحنطة والشعير والذرة وليس المراد به أنه خمر حقيقة وإنما المراد التشبيه بالخمر في أنه لا يحل شربه وقد ثبت بالدليل أن النيء من نقيع الزبيب والتمر إذا كان مشتدا لا يحل شربه فكذلك من سائر الأشربة لأن