فقليله حرام خطأ منهم إنما أراد السكر حرام فأخطئوا وسنبين تأويل هذا اللفظ بعد هذا وعن علي بن الحسين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا غزوة تبوك فمر بقوم يزفتون فقال ما هؤلاء فقيل أصابوا من شراب لهم فنهاهم أن يشربوا في الدباء والحنتم والمزفت فلما مر بهم راجعا من غزاتهم شكوا إليه ما لقوا من التخمة فأذن لهم أن يشربوا منها ونهاهم عن المسكر وفيه دليل أن الرخصة كانت بعد النهي وأنه عليه الصلاة والسلام نهاهم في الابتداء لتحقق الزجر عن شرب المسكر ثم أذن لهم في شرب القليل منه بعد أن لا يبلغوا حد المسكر والزبيب المعتق إذا لم يطبخ فلا بأس بشربه ما لم يغل فإذا غلا واشتد فلا خير فيه .
والكلام هنا في فصول أحدها في الخمر وقد بيناه وإنما بقي الكلام فيه في فصل واحد وهو أن عند أبي حنيفة العصير وإن اشتد فلا بأس بشربه ما لم يغل ويقذف بالزبد فإذا غلا وقذف بالزبد فهو خمر حينئذ .
وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله إذا اشتد فهو خمر لأن صفة الخمرية فيه لكونه مسكرا مخامرا للعقل وذلك باعتبار صفة الشدة فيه .
يوضحه أن حرمة الخمر لما في شربها من إيقاع العداوة والصد عن ذكر الله تعالى وذلك باعتبار اللذة المطربة والقوة المسكرة فيها فأما بالغليان والقذف بالزبد فيرق ويصفو ولا تأثير لذلك في إحداث السكر فبعد ما صار مشتدا فهو خمر سواء غلا وقذف بالزبد أو لم يغل .
يوضحه أنه قد يحتال بإلقاء شيء عليه ويحتال للمنع من الغليان حتى لا يكون له غليان ولا قذف بالزبد أصلا ولكنه لا بد من أن يشتد ليكون مسكرا فعرفنا أن المعتبر فيه الشدة ولأبي حنيفة رحمه الله أن المسكر صفة العصير وهو أصل لما يعصر من العنب وما بقي أثر من آثار الأصل فالحكم له .
( ألا ترى ) أن مع بقاء واحد من أصحاب الحطة في المحلة لا يعتبر السكان ثم حكم الصحة والحد لا يمكن إثباته بالرأي ولكن طريق معرفته النص والنص إنما ورد بتحريم الخمر والخمر مغاير للعصير ولا تتم المغايرة مع بقاء شيء من آثار العصير وقد كان الحل ثابتا فيه وما عرف ثبوته بيقين لا يزال إلا بيقين مثله وذلك بعد الغليان والقذف بالزبد والأصل في الحدود اعتبار نهاية الكمال في سببها كحد الزنى والسرقة لا يجب إلا بعد كمال الفعل اسما وصورة ومعنى من كل وجه لما في النقصان من شبهة العدم والحدود تندرىء بالشبهات فلهذا استقصى أبو حنيفة رحمه الله وقال لا تتوفر أحكام الخمر على العصير بمجرد الشدة إلا بعد الغليان .
والقذف بالزبد فأما نبيذ التمر ونبيذ الزبيب .
فإن لم يطبخ حتى غلا واشتد وقذف