إن أعضاء المحدث طاهرة ولكنه ممنوع من إقامة القربة فإذا استعمل الماء تحول ذلك المنع إلى الماء فصارت صفة الماء كصفة العضو قبل الاستعمال فيكون طاهرا غير طهور بخلاف ما إذا أزال النجاسة بالماء فالنجاسة هناك تتحول إلى الماء .
( وروى ) المعلى عن أبي يوسف رحمه الله أن المتوضئ بالماء إن كان محدثا يصير الماء نجسا وإن كان طاهرا لا يصير الماء نجسا ولكن باستعمال الطاهر يصير الماء مستعملا إلا على قول زفر والشافعي رحمهما الله تعالى فإنهما يقولان إذا لم يحصل إزالة حدث أو نجاسة بالماء لا يصير الماء مستعملا كما لو غسل به ثوبا طاهرا .
( ولنا ) أن إقامة القربة حصل بهذا الاستعمال قال عليه الصلاة والسلام الوضوء على الوضوء نور على نور يوم القيامة فنزل ذلك منزلة إزالة الحدث به بخلاف غسل الثوب والإناء الطاهر فإنه ليس فيه إقامة القربة .
( وذكر ) الطحاوي رحمه الله أنه إذا تبرد بالماء صار الماء مستعملا .
وهذا غلط منه إلا أن يكون تأويله إن كان محدثا فيزول الحدث باستعمال الماء وإن كان قصده التبرد فحينئذ يصير مستعملا .
قال ( وسؤر الآدمي طاهر ) لما روي أن النبي أتي بعس من لبن فشرب بعضه وناول الباقي أعرابيا كان على يمينه فشربه ثم ناوله أبا بكر رضي الله عنه فشربه ولأن عين الآدمي طاهر وإنما لا يؤكل لكرامته لا لنجاسته وسؤره متحلب من عينه وعينه طاهر فكذلك سؤره .
وكذلك سؤر الحائض لما روي أن عائشة رضي الله عنها شربت من إناء في حال حيضها فوضع رسول الله فمه على موضع فيها وشرب .
ولما قال لها ناوليني الخمرة فقالت إني حائض فقال حيضتك ليست في يدك .
إذا ثبت هذا في اليد فكذلك في الفم .
وكذلك سؤر الجنب لما روي أن حذيفة رضي الله عنه استقبل رسول الله فأراد أن يصافحه فحبس يده وقال إني جنب فقال عليه الصلاة والسلام إن المؤمن لا ينجس وكذلك سؤر المشرك عندنا وبعض أصحاب الظواهر يكرهون ذلك لقوله تعالى ! < إنما المشركون نجس > ! 28 .
ولكنا نقول المراد منه خبث الاعتقاد بدليل ما روي أن النبي أنزل وفد ثقيف في المسجد وكانوا مشركين ولو كان عين المشرك نجسا لما أنزلهم في المسجد .
وكذلك سؤر ما يؤكل لحمه من الدواب والطيور