عن تقلد القضاء بعد ما حبس وضرب لأجله مرارا .
حتى قال بعض أصحابه رحمهم الله لو تقلدت نفعت الناس فنظر إليه شبه المغضب وقال لو أمرت أن أقطع البحر سباحة أكنت أقدر على ذلك وكأني بك قاضيا ومن اختار تقلد القضاء .
قال هذا اللفظ من البلاء الذي هو نعمة قال الله تعالى ! < وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا > ! 17 وإنما أراد من أنعم الله تعالى عليه بهذه الدرجة فليقض بما في كتاب الله تعالى وبذلك كان يأمر رسول الله فيقول إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله تعالى وعترتي وقيل أهل بيته الأقربون والأبعدون فإن تمسكتم بهما لم تضلوا .
قال فإن لم يجد ذلك في كتاب الله تعالى فليقض بما قضي به رسول الله وبذلك كان يأمرهم رسول الله حين قال لأبي رواحة رضي الله عنه في حادثة أما كان لك في أسوة فقال أنت تسعى في رقبة قد فكت وأنا أسعى في رقبة لم يعرف فكاكها فقال إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله .
قال فإن لم يجد ذلك فيما قضى به رسول الله فليقض بما قضى الصالحون يعنى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما جاء في الحديث إذا ذكر الصالحون فحيعلا بعمر .
قال فإن لم يجد فليجتهد رأيه ولا يقولن إني أرى وإني أخاف وفيه دليل على أن للقاضي أن يجتهد فيما لا نص فيه وإنه لا ينبغي أن لا يدع الاجتهاد في موضعه لخوف الخطأ فإن ترك الاجتهاد في موضعه بمنزلة الاجتهاد في غير موضعه فكما لا ينبغي له أن يشتغل بالاجتهاد مع النص لا ينبغي له أن يدع الاجتهاد فيما لا نص فيه ثم بين طريق الحق في ذلك بقوله فإن الحلال بين والحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهات فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك وهذا اللفظ مروى عن رسول الله رواه الحسن رحمه الله .
وفيه بيان أن المجتهد إذا لم يترك الاحتياط في موضع الريبة فهو مؤدي لما كلف أصاب المطلوب باجتهاده أو أخطأ وهو ما نقل عن أبي حنيفة رحمه الله كل مجتهد مصيب والحق عند الله واحد أى مصيب في طريق الاجتهاد ابتداء وقد يخطى انتهاء فيما هو المطلوب بالاجتهاد ولكنه معذور في ذلك لما أتى بما في وسعه وذكر عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قال لي رسول الله حين بعثني إلى اليمين بم تقضي يا معاذ قلت بما في كتاب الله تعالى قال عليه الصلاة والسلام فإن لم تجد ذلك في كتاب الله تعالى قلت أقضي بما قضى به رسول الله قال فإن لم تجد ذلك فيما قضى به قلت أجتهد رأيي فقال صلوات الله عليه وسلامه